للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، وتردُّدِه (١) بين موسى وبين ربه مرارًا، كلُّ ذلك لا حقيقةَ له عندهم، كما صرَّح به أفضل متأخريهم ومَلِك مناظريهم (٢) في كلامه على المعراج، وجعله خيالًا لا حقيقة له.

ولمَّا أصَّلوا أنه سبحانه لا تقوم به الأفعال الاختيارية، وسمَّوْا ذلك حلولَ الحوادث؛ لزمهم عنه أنه لا يفعل شيئًا البتةَ، فإنه لا يتكلم بمشيئته، وأن يكون بمنزلة الجمادات التي لا تفعل شيئًا؛ فإنهم جعلوا المفعول عين الفعل، ومن المعلوم أن مفعولًا بلا فعلٍ أبلغ في الاستحالة والبطلان من مفعولٍ بلا فاعلٍ، أو هما سواء، فلزمهم من هذا الأصل مخالفة صريح المعقول والمنقول والفطرة والتكذيب بما لا يُحصى من النصوص.

ولمَّا أصَّلت القدرية أن الله سبحانه لو شاء أفعالَ عباده وقدَرَ عليها وخلقها، ثم كلفهم بها وعاقبهم عليها، لَكان ذلك ظلمًا ينافي العدل؛ لزمهم عن هذا الأصل لوازمُ مخالِفةٌ للعقل والشرع، منها التكذيب بقدَر الله، وتكذيب غُلاتهم بعلمه السابق، وإنكار كمال قدرته، ونسبته إلى أن يكون في مُلكه ما لا يشاء، ويشاء ما لا يكون، وإخراج أشرف ما في مُلكه عن أن يكون قادرًا عليه أو خالِقًا له، وهو طاعاتُ أنبيائه ورسله وملائكته وأوليائه، وأن تكون أفعالهم حدثت من غير خالقٍ (٣) مُحْدِثٍ أو يكونوا هم الخالقين


(١) «ح»: «تراده».
(٢) يعني: الفخر الرازي، وذلك في كتابه «السر المكتوم في مخاطبة النجوم» وهو كتاب مختلف في نسبته إليه، وينظر «الرد على المنطقيين» لابن تيمية (ص ٥٨٨) و «كشف الظنون» (٢/ ٩٨٩).
(٣) «ح»: «خالي».