للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المصحف إلَّا صنعة المخلوقين ومِدادهم وما عملت أيديهم صار فيهم مَن يكتب {قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ} بما يُستحى مِن ذِكره، ومنهم مَن يلقي المصحف في المكان الذي يُرغب عن ذكره، ويقول: إنما ألقيت كاغَدًا ومِدادًا (١). ومنهم مَن يجعله كرسيًّا له يضعه تحت رجليه ويرقى عليه ويتناول به حاجته، ومنهم (٢) من يكون له وعاء يضع فيه المصحف ونعله وغيره، وفيهم من يتوسَّده، إلى غير ذلك من الأنواع التي فيها من الاستخفاف بالمصحف والإهانة له ما يدل على براءة فاعله من الله ورسوله وكتابه ودينه.

وأمَّا إطلاقهم العبارات القبيحة الدالة على الاستهانة، فهم لا يتحاشون منها، بل يُصرِّحون بقولهم: أي شيءٍ في المصحف سوى المِداد والورق! ويقولون: ليس في المصحف كلام الله، ولم ينزل إلى الأرض لله كلام، وهذا الذي يقرؤُه المسلمون ليس بكلام الله حقيقةً! وقد رأينا نحن وغيرنا هؤلاء مشاهدةً، وسمعنا بعض أقوالهم التي حكيناها. وهذه الفروع واللوازم فروع ذلك الأصل الباطل.

كما أنهم لما أصَّلوا تعطيل الربِّ من صفة العلو وتعطيل العرش من استواء ربه عليه؛ لزمهم التكذيب بما لا يُحصى من الآيات والأحاديث، وإن أقروا بألفاظها. ولزمهم الطعن في خيار الأُمة وساداتها وأئمة الإسلام وأهل السُّنَّة والحديث، ولزمهم إنكار نزوله إلى سماء الدنيا كل ليلةٍ، وإنكار مجيئه وإتيانه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده، وإن أقروا بذلك أقروا به مجازًا لا حقيقة. ولزمهم من ذلك التكذيب بمعراج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه، ودنوِّه


(١) الكاغد: القرطاس، والمداد: الحبر.
(٢) «ح»: «منهم». بغير واو.