للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهم طردوا هذا الأصل، وجحدوا حقيقة الربِّ وصفاته. وإخوانهم من الجهمية لمَّا لم يمكنهم أن يصرِّحوا (١) به بين أَظهُر المسلمين صرَّحوا بالأصل وبما أمكنهم أن يصرِّحوا به من اللوازم، كنفي الصِّفات ونفي العلو والمباينة والكلام والوجه واليدين والاستواء والنزول.

ولمَّا أصَّلوا ذلك لزمهم [ق ١١٨ ب] القول بأنه (٢) في كل مكانٍ بذاته وأنه تعالى في الأجواف والأمكنة التي يتعالى عنها. فلمَّا صاح عليهم أهلُ العلم والإيمان من كل قُطرٍ من أقطار الأرض، قالوا: نقول إنه لا داخلَ العالم ولا خارجَه، ولا فوق العرش ولا تحته. فلمَّا رأى عُبَّادهم ومتصوِّفوهم (٣) أن الإرادة والعبادة والطلب لا تُعلق بمعبود هذا شأنه، وأن القلوب لا تعرفه والألسنة لا تعرفه؛ فرُّوا إلى أن قالوا: فهو عين هذا العالم لا غيره. وكل هذه اللوازم أُسست (٤) على ذلك الأصل الفاسد.

ولمَّا أصَّلوا أن الصِّفات أعراضٌ لا تقوم إلَّا بالأجسام لزمهم إنكارها رأسًا. ومَن أثبت منهم صفة ونفى غيرها أضحك أهلَ العقل والنقل على عقله. ولمَّا أصَّلوا هذا الأصل لزمهم عنه أن الله لم يتكلم ولا يكلم أحدًا مِن خلقه، ولم ينزل له إلى الأرض كلام تكلم به، وإنما خلق أصواتًا وحروفًا في الريح سُميت كلامه مجازًا لا حقيقة.

فلمَّا فهم سفهاؤهم هذا، وأنه ليس لله في الأرض كلام، وأنه ليس في


(١) «ح»: «يصرحون».
(٢) «ح»: «بأن».
(٣) «ح»: «ومتصوفيهم».
(٤) «ح»: «أست».