ولزمهم عنه لو صحَّ لهم إثباتُه: أنه لا يَخلُق، ولا يرزق، ولا يميت، ولا يحيي، ولا يعلم شيئًا. ولا يُرسل رسولًا، ولا يأمر ولا ينهى، ولا يبعث مَن في القبور.
ولزمهم عنه أن يكون هذا العالَم قد وُجد مِن غير خالقٍ، أو أنه لم يزل موجودًا قديمًا أزليًّا، ولمَّا كان اللازمُ الأول أشنعَ وأظهر فسادًا لكل عاقلٍ؛ التزموا الثاني.
وأمَّا الباطل الذي لزمهم في جانب الصادر فهو أن يكون واحدًا من كل وجهٍ، ولا يكون فيه كثرةٌ بوجهٍ ما [لأن](١) مصدره واحد كذلك، فالصادر عنه أيضًا يجب أن يكون كذلك، وهلم جرًّا. والحِسُّ يكذبه.
ولا ينفعهم الجواب بأن الصادر له وجوهٌ واعتبارات لأجلها تعدَّد الصادر عنه. فإن تلك الوجوه إن كانت وجودية لزم صدورُ الكثرة عن الوحدة، وبطل أصلهم، وإن كانت عدمية لم يكن مصدرًا للموجود، وهذا قاطعٌ.
فصل
ولمَّا أصَّلوا هم وأتباعهم من الجهمية أن المختص بصفةٍ أو حقيقةٍ أو قدَرٍ لا بد له من تخصيص منفصل، لزمهم من هذا الأصل إنكارُ حقيقته وذاته وصفاته، إذ لو أثبتوا له ذلك بزعمهم لزم أن يكون له مخصصٌ غيره خصَّصه بتلك الماهية والصفات والقدر، فلزم أيضًا من هذا الأصل الباطل ما لزم من الأصل الذي قبله.