للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه؟ إن عنيتم به ما هو من خصائص المخلوقين فلا ريب في انتفائه عنه سبحانه؛ لأن كماله المقدَّس ينفيه، فإثباته نقصٌ وعيبٌ. وأنتم قد اعترفتم أنه لم يقم دليلٌ عقليٌّ على تنزيهه عن العيوب والنقائص، وإنما استندتم فيه إلى الإجماع، واعترفتم بأن دلالته ظنيةٌ، وهذا موجود في «إرشادكم» (١) و «نهايتكم» (٢) وغيرها.

ونحن نُقرِّر نفي ذلك بالأدلة القطعية والبراهين اليقينية؛ فإنه سبحانه لا يجوز أن يُماثل خلقه في شيءٍ من صفاتهم وأفعالهم، فهو منزهٌ عن أن يطلب ما يَقْبُح طلبه، أو يريد ما لا يَحْسُن إرادته، أو يطلب ويكره ويحب ما لا يصلح طلبه وكراهته ومحبته إلَّا للمخلوق. وكل ما يُنزَّه سبحانه عنه من العيوب والنقائص، فهو داخلٌ فيما نزَّه نفسه عنه، وفيما يُسبَّح به ويُقدَّس ويُحمد ويُمجَّد، وداخل في معاني أسمائه الحُسنى، وبذلك كانت حُسنى، أي أحسن من غيرها، فهي أفعل تفضيل معرَّفة باللام، أي: لا أحسن منها بوجهٍ من الوجوه، بل لها الحُسن الكامل التام المطلق، وأسماؤه الحسنى وآياته البينات متضمنةٌ لذلك ناطقةٌ به صريحةٌ فيه، وإن أَلْحَد فيها الملحدون، وزاغ عنها الزائغون.

وقد بيَّنا فيما تقدَّم (٣) أن كل ما يُنزَّه الربُّ عنه إن لم يكن متضمنًا لإثبات


(١) يعني: «الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد» لأبي المعالي الجويني، وينظر (ص ٧٤ - ٧٦) منه.
(٢) يعني: «نهاية العقول في دراية الأصول» للفخر الرازي، وينظر (٣/ ١٨٨ - ١٨٩، ٢٣١ - ٢٣٢) منه.
(٣) تقدم (ص ٦٥٣ - ٦٦١).