للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتضمن نقصانَ العلم والقدرة والإرادة؛ فإن العالم بأن الشيء لا يكون لا يخافه، والعالم بأنه يكون ولا بد قد يَئِسَ من النجاة منه فلا يخاف، وإن خاف فخوفُه دون خوف الراجي. وأمَّا نقص القدرة فلأن الخائف من الشيء هو الذي لا يمكنه دفعه عن نفسه؛ فإذا تيقَّن أنه قادرٌ على دفعه لم يخفه. وأمَّا نقص الإرادة فلأن الخائف يحصل له الخوفُ بدون مشيئته واختياره، وذلك محالٌ في حقِّ من هو بكل شيءٍ عليمٌ، وعلى كل شيءٍ قديرٌ، ومَن لا يكون شيءٌ إلَّا بمشيئته وإرادته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. وهذا لا ينافي كراهته سبحانه وبغضه وغضبه؛ فإن هذه الصِّفات لا تستلزم نقصًا لا في علمه ولا في قدرته ولا في إرادته، بل هي كمالٌ؛ لأن سببها العلم بقبح المكروه المبغوض المغضوب عليه، وكلما كان العلم بحاله [أتم] (١) كانت كراهته وبغضه أقوى، ولهذا يشتد غضبه سبحانه على مَن قتل نبيَّه أو قتله نبيُّه (٢).

فصل

وإن قال: أعني بذلك ما هو أعمُّ من شهوة الحيوان وألمه ولذته ونُفْرته. قيل له: الشهوة والنفرة جنسهما الحبُّ والبغض، فكل مشتهٍ لشيءٍ فهو


(١) «ح»: «أهم». والمثبت هو الصواب.
(٢) أخرج البخاري (٤٠٧٣) ومسلم (١٧٩٣) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اشتدَّ غضبُ الله على رجلٍ يقتله رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في سبيل اللهِ عز وجل». وأخرج الإمام أحمد في «مسنده» (٣٩٤٥) والبزار في «مسنده» (١٧٢٨) والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (٦) عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أشدُّ الناسِ عذابًا يوم القيامة رجلٌ قتله نبيٌّ أو قتلَ نبيًّا ... ». وقال المنذري في «الترغيب والترهيب» (٣/ ١٦٨): «رواه البزار بإسنادٍ جيدٍ».