للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محبٌّ له، وكل نافرٍ عن شيءٍ فهو مبغضٌ له، وإن كان من المحبة والبغض ما لا يُسمَّى في لغة القوم شهوةً ونفرةً، كمحبتنا لله ورسوله. وإذا كان كذلك فمعلومٌ أن الله سبحانه قد وصف نفسه بالمحبة والبغض في غير موضعٍ من كتابه وسُنة رسوله، وهو موصوفٌ بالإرادة والكراهة المتضمنة للحب والبغض والشهوة. والنفرة أيضًا تتضمن معنى الإرادة والكراهة، فإن المشتهي فيه نوع إرادةٍ والنافر فيه نوع كراهةٍ، والإرادة والكراهة من لوازم الحياة؛ فكل حيٍّ مريدٌ كارهٌ، والشهوة والنفرة من لوازم الحيوان (١)؛ فإنه يشتهي ما يتضمن بقاء ذاته ويلائمه، وينفر من ضدِّ ذلك.

وهذه الأسماء قد تتنوع إمَّا بحسب صفاتها في أنفسها، وإمَّا بحسب متعلقها، وهو المحبوب المكروه، لما في لغة العرب من التفريق بين اللفظين لأدنى فرق بين المعنيين لقوة التمييز في عقولهم وألسنتهم، بخلاف الأُمم الذين يضعف فيهم التمييز، فإنهم يغلب عليهم الاقتصار على القدر المشترك في العقل واللسان. وثبوت تلك الفروق اللفظية في المعاني والألفاظ لا يمنع (٢) ثبوت القدر المشترك بينها الذي تدركه سائر الأُمم، فيجب إثبات القدر المشترك والقدر المميز.

وإذا كان بين الشهوة والمحبة والإرادة والرضى والفرح قدرٌ مشتركٌ، وبين النُّفرة والبغض والكراهة والسخط ونحوها قدرٌ مشتركٌ، فمن نفى مُسمَّى أحد هذه الألفاظ فإن عنى به نفي جميع مُسمَّاه لزم نفي القدر المشترك الثابت في البواقي، وإن نفى ما يختص به ممَّا هو من خصائص


(١) «ح»: «الخوان». والمثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «يمتنع». والمثبت هو الصواب.