للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقالت غُلاة المعطلة من الجهمية: إنها مجازٌ في حقِّ الخالق حقيقةٌ في حقِّ المخلوق، وإنها استعيرت له من أسمائهم، وهذا كما قيل: خرَّ عليهم السقف من تحتهم، لا عقل ولا قرآن! فكيف يُستعار للقديم الخالق سبحانه أسماء من المُحْدَث المخلوق، وكيف يُستقرض للغني الواجد من الفقير المُعْدَم؟! أترى لم يكن في الممكن أن يكون للربِّ سبحانه من الأسماء إلَّا ما استُعير له من أسماء خلقه؟

ولمَّا رأت (١) طائفة من العقلاء شناعة هذا المذهب وبطلانه قابلوا قائليه وقالوا: بل هي حقيقةٌ في الربِّ، مجازٌ في العبد. وهذا قول أبي العباس [الناشئ] (٢) وقد وافقه عليه طائفةٌ، ويلزم أصحاب هذا القول صحة نفيها عن المخلوق كما يلزم أصحاب القول الأول صحة نفيها عن الخالق.

والقولان باطلان، مع أن أصحاب هذا القول وإن كانوا خيرًا من أولئك فهم متناقضون، فإنهم إن أثبتوا للربِّ تعالى حقائقها المفهومة منها فجعلُها مجازًا في المخلوق ممتنع، فإن المعنى الذي كانت به حقيقة في الغائب موجود في الشاهد وإن كان غير مماثل، بل للربِّ منه ما يختص به ولا يماثله فيه المخلوق، وللمخلوق منه ما يختص به ولا يماثله فيه الخالق. وهذا لا يوجب أن تكون مجازًا في حقِّ المخلوق كالوجود والشيء والذات. وإن


(١) «ح»: «رأيت».
(٢) «ح»: «الهاشمي». وهو تحريف، والتصويب من «منهاج السنة» (٢/ ٥٨٣) و «مجموع الفتاوى» (٩/ ١٤٦) و «بدائع الفوائد» (١/ ٢٩٠). وأبو العباس الناشئ هو عبد اللَّه بن محمد بن شرشير المتكلم الشاعر من أهل الأنبار، توفي سنة ثلاث وتسعين ومائتين. ترجمته في «تاريخ بغداد» (١١/ ٢٩٧).