للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أثبتوها على غير حقائقها المفهومة منها بل جعلوا معناها ما تأولوها عليه فقلبوا الحقائق وعكسوا اللغة وأفسدوها، وجعلوا المجاز حقيقةً والحقيقة مجازًا. هذا، وهم أعذر من أولئك وأقل خطأ، فإنهم جعلوها مجازًا في حقِّ من هو أولى بها من (١) خلقه وأولى من تثبت له على أتم الوجوه وأكملها أزلًا وأبدًا ووجوبًا وبراءةً عن كل ما ينافي ذلك، وجعلوها حقيقةً في حقِّ من استعيرت له على وجه الحدوث والضعف والنقص، فهؤلاء أعظم قلبًا للحقائق ومخالفة للمعقول من أولئك.

وقالت طائفةٌ ثالثة: بل هي حقيقة في الغائب والشاهد كالوجود والشيء والذات، وإن لم تماثل الحقيقة الحقيقة. ثم اختلف هؤلاء فقالت طائفةٌ: هي مقولة عليهما بالاشتراك اللفظي؛ لتباين الحقيقتين من كل وجهٍ. وهذا من أفسد الأقوال؛ فإن كل عاقلٍ يفرق بين لفظي (٢) العين ولفظ المشتري ولفظ العين ونحوها (٣)، وبين لفظ السميع والبصير والحي والعليم والقدير، ويفهم المعنى من هذه الألفاظ عند إطلاقها دون تلك، فلو كانت مشتركة لم يُفهم منها شيءٌ عند الإطلاق.

وقالت طائفةٌ أخرى: بل يقال على القديم والحادث بطريق التواطؤ (٤)،


(١) «ح»: «ومن».
(٢) كذا في «ح».
(٣) كذا في «ح»، ولعل في العبارة سقطًا أو تحريفًا.
(٤) المتواطئ: لفظٌ يدل على أعيان متعددة بمعنى واحد مشترك بينها، كدلالة اسم الإنسان على زيد وعمرو. ودلالة اسم الحيوان على الإنسان، والفرس، والطير. لأنها متشاركة في معنى الحيوانية. وفي «تعريفات الجرجاني»: «المتواطئ: هو الكلي الذي يكون حصول معناه وصدقه على أفراده الذهنية والخارجية على السوية، كالإنسان، والشمس، فإن الإنسان له أفراد في الخارج، وصدقه عليها بالسوية، والشمس لها أفراد في الذهن وصدقها عليها أيضًا بالسوية». «المعجم الفلسفي» (٢/ ٣٣٤).