للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاللعين الأول لمَّا حكَّم العقل على من لا يحتكم عليه العقل أجرى حكم الخالق في الخلق وحكم الخلق في الخالق، والأول غلوٌّ والثاني تقصيرٌ. فثار من الشُّبهة الأولى مذاهب الحلولية والتناسخية والمُشبِّهة والغلاة من الرافضة حيث غلوا في حقِّ شخصٍ من الأشخاص حتى وصفوه [ق ١٣٣ أ] بأوصاف الجلال.

وثار من الشُّبهة الثانية مذاهب القدرية والجبرية والمُجسِّمة حيث قصروا من وصفه تعالى بصفات المخلوقين، والمعتزلة مشبِّهة الأفعال والمشبهة حلولية (١) الصِّفات، وكل منهما أعور. فإن من قال: يحسن منه ما يحسن منَّا، ويقبح منه ما يقبح منَّا؛ فقد شبَّه الخالق بالخلق. ومن قال: يُوصف الباري بما يُوصف به الخلق، أو يُوصف الخلق بما يُوصف به الخالق؛ فقد اعتزل عن الحقِّ. وسِنْخ (٢) القدرية طلب العلة في كل شيءٍ، وذلك من سِنْخ اللعين الأول؛ إذ طلب العلة في الخلق أولًا، والحكمة في التكليف ثانيًا، والفائدة (٣) في تكليف السجود لآدم ثالثًا».

ثم ذكر الخوارج والمعتزلة والروافض، وقال: «رأيت بدء شبهاتهم كلها نشأت من شبهات اللعين الأول، وتلك في الأول مصدرها، وهذه في الآخرة مظهرها. وإليه أشار التنزيل بقوله: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطْوَاتِ اِلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [البقرة: ١٦٧]. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لَتَسْلُكُنَّ سُبُلَ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ حَذْوَ


(١) «ح»: «مشبهة». والمثبت من «الملل والنحل».
(٢) «ح»، «م»: «شيخ». هنا وفي الموضع التالي، وهو تصحيف، والمثبت من «الملل والنحل». والسِّنْخ: الأصل.
(٣) «ح»، «م»: «المعاندة». والمثبت من «الملل والنحل».