للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستعصاءِ القوى (١) الغضبية والشهوانية عليه وهي المسمَّاة بالشياطين، فعبَّر عن خضوع القوى الفاضلة بالسجود، وعبر عن إباء القوى الشريرة الفاسدة بالإباء والاستكبار وترك السجود.

قالوا: والحكمة الإلهية اقتضت تركيب الإنسان على هذا الوجه وإسكان هذه القوى فيه، وانقياد بعضها له وإباء بعضها، فهذا شأن الإنسان، ولو كان على غير هذا التركيب لم يكن إنسانًا.

قالوا: وبهذا تندفع الأسولة كلها، ويظهر بطلانها، وأنها بمنزلة أن يقال: لِمَ أحوج الإنسان إلى الأكل والشرب واللباس؟ ولمَّا أحوجه إليه فلِمَ جعله يبول ويتغوط ويتمخط؟ ولم جعله يمرض ويهرم ويموت؟ فإن هذه الأمور من لوازم النشأة الإنسانية التي لو قدر ارتفاعها لارتفعت هذه النشأة.

فهذه الطائفة رفعت القواعد من أصلها، وأبطلت آدم وإبليس والملائكة، وردت الأمر إلى مجرد قوى نفسانية وأمور معنوية.

وقالت الجبرية ومنكرو الحِكَم والتعليل: هذه الأسولة إنما ترد على من يفعل لعلةٍ أو لغرضٍ أو لغايةٍ. فأمَّا من لا علة لفعله ولا غاية ولا غرض بل يفعل ما يفعله بلا سببٍ ولا غايةٍ، وإنما مصدر مفعولاته (٢) محض مشيئته، وغايتها مطابقتها لعلمه وإرادته، فيجيء فعله على وفق إرادته وعلمه. وعلى هذا فهذه الأسولة فاسدةٌ كلها؛ إذ مبناها على أصلٍ واحدٍ، وهو تعليل أفعال من لا تُعلل أفعاله ولا يُوصف بحُسنٍ ولا قُبحٍ عقليين، بل الحسن ما فعله، وما فعله فكله حسنٌ، لا يُسأل عمَّا يفعل وهم يسألون.


(١) «ح»: «واستقصا بالقوى». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «مفعولات». والمثبت من «م».