قالوا: والقبح والظلم هو تصرف الإنسان في ملك غيره بغير إذنه، فأمَّا تصرف المالك الحقِّ في ملكه من غير أن يكون تحت حجر حاجرٍ أو أمر آمرٍ أو نهي ناهٍ فإنه لا يكون ظلمًا ولا قبيحًا. فرفع هؤلاء الأسولة من أصلها، وسدوا على أنفسهم طريق استماعها والجواب عنها. والتزموا لوازم هذا الأصل من إبطال الحِكَم والتعليل والأسباب والتحسين والتقبيح ووجوب شكر المنعم عقلًا، ومنعت لأجله أن يجب على الله شيءٌ أو يحرم عليه شيءٌ أو يقبح منه ممكنٌ، بل كل ممكنٍ فهو جائزٌ عليه لا يقبح منه.
وقالت القدرية: هذا لا يرد على أصولنا، وإنما يرد على أصول الجبرية القائلين بأن الله خالق أفعال العباد [ق ١٣٣ ب] طاعاتهم ومعاصيهم وإيمانهم وكفرهم، وأنه قدَّر ذلك عليهم قبل أن يخلقهم وعلمه منهم وخلقهم له، فخلق أهل الكفر للكفر، وأهل الفسوق للفسوق، وقدَّر ذلك عليهم وشاءه منهم وخلقه فيهم. فهذه الأسولة واردة عليهم، وأمَّا نحن فعندنا أن الله سبحانه عرضهم للطاعة والإيمان وأقدرهم عليه ومكَّنهم منه ورضيه لهم وأحبه، ولكن هم اختاروا لأنفسهم الكفر والعصيان، وآثروه على الإيمان والطاعة. والله سبحانه لم يُكْرِههم على ذلك، ولم يُلْجِئهم إليه، ولا شاءه منهم، ولا كتبه عليهم ولا قدَّره ولا خلقهم له ولا خلقه فيهم، ولكنها أعمالٌ هم لها عاملون، وشرورٌ هم لها فاعلون، فإنما خلق إبليس لطاعته وعبادته، ولم يخلقه لمعصيته والكفر به.
وصرَّح قدماء هذه الفرقة بأنه سبحانه لم يكن يعلم من إبليس حين خلقه أن يصدر منه ما صدر، ولو علم ذلك منه لم يخلقه، وأبى متأخروهم ذلك، وقالوا: بل كان سبحانه عالمًا به وبشأنه، وخلقه امتحانًا لعباده ليظهر المطيع