للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له من العاصي، والمؤمن من الكافر، وليُثيب (١) عباده على معاداته ومحاربته ومعصيته أفضل الثواب. قالوا: وهذه الحكمة اقتضت بقاءه حتى تنقضي الدنيا وأهلها. قالوا: وأمره بالسجود ليطيع فيثيبه ويقربه ويكرمه، فاختار لنفسه المعصية والكفر من غير إكراه للربِّ تعالى، ولا ألجأه إلى ذلك ولا حال بينه وبين السجود ولا منعه، ولا سلَّطه على آدم وذريته قهرًا وإكراهًا لهم. وقد اعترف عدو الله بذلك حيث يقول: {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ} [إبراهيم: ٢٥] وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ} [سبأ: ٢١]. قالوا: فاندفعت تلك الأسولة وبطلت، وظهر أنها ترد على أصول الجبرية لا على أصولنا.

وقالت الفرقة الناجية ـ حزب الرسول وأنصاره، وبُنْك (٢) الإسلام وعصابة الإيمان، الذين لم يتحيزوا إلى فئةٍ غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذهبوا إلى مقالةٍ غير ما دلَّت عليه سُنته، ولم ينتسبوا إلى غيره بوجهٍ من الوجوه ـ: كيف يطمع في الردِّ على عدو الله وإبطال قوله من قد شاركه في أصله أو في بعض شُعبه، فإن عدو الله أصَّل معارضة النص بالرأي، فترتب على تأصيله هذه الأسولة وأمثالها، فمن عارض العقل بالنقل في أمرٍ من الأمور فهو شريكه من هذا الوجه، فلا يتمكن من الردِّ التام عليه.

ولهذا لمَّا شاركه زنادقة الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين في هذا الأصل أنكروا وجوده ووجود آدم والملائكة، فضلًا عن قصة أمره بالسجود وإبائه وما ترتب عليها.


(١) «ح»: «ليثبت». والمثبت من «م».
(٢) البُنْك: الأصل، وهو مُعرَّب. «الصحاح» (٤/ ١٥٧٦).