للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولمَّا أنكرت الجبرية الحكمة والتعليل والأسباب وأبطلت هذا الأصل بعقولها وآرائها عجزوا عن جواب أسولته، وسدُّوا على نفوسهم باب استماعها والجواب عنها، وفتحوا باب مكابرة العقول الصريحة وإنكار تحسين العقل (١) وتقبيحه وإنكار الأسباب والقوى والطبائع والحِكَم والغايات المحمودة التي لأجلها يفعل الربُّ ما يفعله ويأمر بما يأمر (٢) به، وجوَّزوا عليه أن يفعل كل شيءٍ، وأن يأمر بجميع ما نهى عنه، وينهى عن كل ما أمر به؛ ولا فرق عنده البتة بين المأمور والمحظور، والكل سواء في نفس الأمر، ولكن هذا صار حسنًا بأمره، لا أنه في نفسه وذاته حسنٌ، وهذا صار قبيحًا بنهيه، لا أنه في نفسه وذاته قبيحٌ.

ولمَّا أصَّلت القدرية إنكار عموم قدرة الله سبحانه ومشيئته لجميع الكائنات، وأخرجت أفعال عباده خيرها وشرها عن قدرته ومشيئته وخلقه، وأثبتت لله سبحانه شريعة بعقولهم = حكمت عليه بها، واستحسنت منه ما استحسنته من أنفسها، واستقبحت منه ما استقبحته (٣) من نفوسها، وعارضت بين الأدلة السمعية الدالة على خلاف ما أصَّلوه وبين العقل، ثم راموا الردَّ على عدو الله، فعجزوا (٤) عن الردِّ التامِّ عليه، وأجادت (٥) كل فرقة من هذه الفرق من الرد عليه بحسب ما وافقت فيه السمع والعقل.


(١) «ح»: «الفعل». والمثبت من «م».
(٢) «ح»: «وبأمرهما بأمر». ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) «ح»: «استقبحه». والمثبت من «م».
(٤) «ح»: «فورا». والمثبت من «م».
(٥) «ح»: «أجابت». والمثبت هو الصواب.