وإنما يتمكن من الردِّ عليه كل الردِّ من تلقى أصوله عن مشكاة الوحي ونور النبوة، ولم يؤصِّل أصلًا برأيه وعقله وآراء الرجال وعقولهم، ولم يخرج من مشكاة الوحي ولم يظهر من معدنه، بل تلقى أصوله كلها عن قول من لا ينطق عن الهوى إن هو إلَّا وحيٌ يُوحى.
فأول ذلك أنه علم أن هذه الأسولة ليست من كلام الله الذي أنزله على موسى وعيسى مخبرًا بها عن عدوه، كما أخبر عنه في القرآن بكثيرٍ من أقواله وأفعاله. وإدخالُ بعض أهل الكتاب لها في تفسير التوراة والإنجيل هو كما تجد في المسلمين ـ وما بالعهد من قِدَم ـ من يدخل في تفسير [ق ١٣٤ أ] القرآن كثيرًا من الأحاديث والأخبار التي لا أصل لها، والقصص المعلوم كذبها، وإذا كان هذا في هذه الأُمة التي هي أكمل الأُمم علومًا ومعارف وعقولًا، فما الظن بأهل الكتاب؟!
فصل
الوجه الثاني: أن نقول لعدو الله: قد ناقضت في أسولتك ما اعترفت به وسلَّمته غاية المناقضة، وجعلت ما أسلفته من التسليم والاعتراف مبطلًا لجميع أسولتك، متضمنًا للجواب عنها قبل ذكرها. وذلك أنك قلت:{رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي}[الحجر: ٣٩] وقلت: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}[الأعراف: ١١] وقلت: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨١) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ اُلْمُخْلِصِينَ} [ص: ٨١ - ٨٢].
فاعترفت بأنه ربك وخالقك ومالكك، وأنك مخلوقٌ له مربوبٌ تحت أوامره ونواهيه، إنما شأنك أن تتصرف في نفسك تصرف العبد المأمور المنهي، المستعد لأوامر سيده ونواهيه، وهذه هي الغاية التي خُلقت لها،