للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم تأمَّل الحكمة في إنارة القمر والكواكب في ظلمة الليل فإنه مع الحاجة إلى الظلمة لهدوء الحيوان وبرد الهواء لم تقتض المصلحة أن يكون الليل ظلمةً واحدةً داجيةً (١) لا ضياء فيها، فلا يمكن فيه شيءٌ من العمل، وربما احتاج الناس إلى العمل بالليل لضيق الوقت عليهم في النهار أو (٢) لإفراط الحر فيه، فاحتاجوا إلى العمل في الليل في نور القمر من حرث الأرض وقطع الزرع وغير ذلك، فجعل ضوء القمر في الليل معونة للناس على هذه الأعمال. وجعل في الكواكب جزءًا يسيرًا من النور لتسد مسدَّ القمر إذا لم يكن. وجُعلت زينة السماء ومعالم يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ودلالات واضحات على الخلاق العليم، وغير ذلك من الحِكَم التي بها انتظام هذا العالم. وجُعلت الشمس على حالة واحدة لا تقبل الزيادة والنقصان لئلا تتعطل الحكمة المقصودة منها. وجُعل القمر على حال تقبل الزيادة والنقصان لئلا تتعطل الحكمة المقصودة من جعله كذلك، وكان في نوره من التبريد والتصليب ما يقابل ما في ضوء الشمس من التسخين والتحليل، فتنتظم المصلحة وتتم الحكمة من هذا التسخين والتبريد (٣).

وتأمَّل اللطف (٤) والحكمة الإلهية في جعل الكواكب السيارة ومنازلها تظهر في بعض السنة وتحتجب في بعضها؛ لأنها لو ظهرت دائمًا أو احتجبت دائمًا لفاتت (٥) الحكمة المطلوبة منها، كما (٦) اقتضت الحكمة أن يظهر


(١) «ح»: «راجية». والمثبت من «م». والداجية: المظلمة. «الصحاح» (٦/ ٢٣٣٤).
(٢) «ح»: «و». والمثبت من «م».
(٣) ينظر «مفتاح دار السعادة» للمصنف (٢/ ٥٩٧ - ٥٩٨).
(٤) «ح»: «اللفظ». والمثبت من «م».
(٥) «ح»: «لذابت». والمثبت من «م».
(٦) «ح»: «وكما». والمثبت من «م».