للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيره (١)، فتأولت المَلِكية ـ وهم الذين على دين المَلِك ـ غيره، فاضمحل الدِّين، وخرجوا منه خروج الشعرة من العجين. فلو تأملتَ تأويلاتهم لَرأيتَها واللهِ من جنس تأويلات الجهمية والرافضة والمعتزلة، ورأيتَ الجميع من مِشكاةٍ واحدةٍ، ولولا خوفُ التطويل لَذكرنا لك (٢) تلك التأويلات، ليُعلَم أنها وتأويلات المحرِّفين من هذه الأُمة

رَضِيعَا لِبَانٍ ثَدْيَ أُمٍّ تَقَاسَمَا ... بأَسْحَمَ دَاجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرَّقُ (٣)

ولو رأيتَ تأويلاتِهم لنصوص التوراة في الأخبار والأمر والنهي لَقلتَ: إن أهل التأويل الباطل من هذه الأمة إنما تلَقَّوْا تأويلاتهم عنهم، وعجبتَ مِن تشابُهِ قلوبهم، ووقوع الحافر على الحافر، والخاطر على الخاطر. «ولم يزل أمرُ بني إسرائيل مستقيمًا حتى فشا فيهم المولَّدُون أبناءُ سبايا الأُمم (٤)، فاشتقوا لهم الرأيَ، وسَلَّطُوا التأويلَ على نصوص التوراة، فضَلُّوا وأَضَلُّوا» (٥).


(١) «ب»: «عبرة».
(٢) «لك» ليس في «ح».
(٣) البيت للأعشى في «ديوانه» (ص ٢٢٥). والرواية: «رضيعي لبان»، وقد تصرف فيها المصنِّف لتناسب السياق، كما فعل في «مسألة السماع» (ص ١٧٧، ٢٤١). وفي «البدائع» (ص ٤٥٥) و «الداء والدواء» (ص ٢٢٤): «رضيعي» على الأصل، وسيأتي البيت مرةً أخرى في كتابنا هذا، قوله «رضيعي لبان» يريد أنهما أخوان، و «بأسحم داج» يعني: الليل، أي: تحالفا بالليل. وقيل غير ذلك.
(٤) «الأمم» ليس في «ح».
(٥) قد رُوِيَ نحو هذا اللفظ مرفوعًا، أخرجه ابن ماجه (٥٦) والبزار (٦/ ٤٠٢) والطبراني في «الكبير» (١٣/ ٦٤٢) عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، وضعفه البوصيري في «مصباح الزجاجة» (٢١) وابن حجر في «إتحاف المهرة» (٩/ ٥٨٨) وقد رُوي عن جماعة من الصحابة والتابعين مرفوعًا وموقوفًا. ينظر: «ذم الكلام» للهروي (١/ ٧٢ - ٧٥) و «بيان الوهم والإيهام» لابن القطان (٢/ ٣٤٧ - ٣٤٨) و «معرفة السنن والآثار» للبيهقي (١/ ١٨٧).