للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسمع الكلام الخفي كما يسمع الجهر، ويرى ما في السماوات والأرض، ولا يخفى عليه منها ذرةٌ واحدةٌ، وأنه على كل شيءٍ قديرٌ، فلا يخرج مقدورٌ واحد عن (١) قدرته البتةَ، كما لا يخرج عن علمه ولا (٢) تكوينه، وأن له ملائكة مدبِّرات بأمره للعالَم، تصعد وتنزل وتتحرك وتنتقل من مكانٍ إلى مكانٍ، وأنه يذهب بالدنيا ويُخرِّب هذا العالَم، ويأتي بالآخرة ويبعث مَن في القبور، جلَّ جلاله. إلى أمثال ذلك من النصوص التي هي في الدلالة على مرادها كدلالة لفظ العشرة والثلاثة على مدلوله، وكدلالة لفظ الشمس والقمر والليل والنهار والبَرِّ والبحر والخيل والبِغال والإبل والبقر والغنم (٣) والذَّكَر والأنثى على مدلولها، لا فرقَ بين ذلك البتةَ.

ولهذا لما سلَّطت الجهميةُ التأويلَ على نصوص الصِّفات سلَّطت الباطنيةُ التأويلَ على هذه الأمور، وجعلوها أمثالًا مضروبةً أُريدَ بها خلاف حقائقها وظواهرها، وجعلوا القرآن والشرع كله مؤولًا (٤)، ولهم في التأويل كتبٌ مستقلةٌ نظير كتب الجهمية في تأويل آيات الصِّفات وأحاديثها.

فهذا القسم إن سُلِّط التأويلُ عليه عاد الشرع كله متأوَّلًا؛ لأنه أظهر أقسام القرآن ثبوتًا وأكثرها ورودًا، ودلالةُ القرآن عليه متنوِّعةٌ غايةَ التنوع؛ فقَبولُ ما سواه للتأويل أقربُ من قبوله بكثيرٍ.


(١) «ح»: «من».
(٢) «لا» ليس في «ب».
(٣) «والغنم» ليس في «ب».
(٤) «كله مؤولًا» في «ح»: «أمثالًا كله».