للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدلالة، وأما من يقصد التلبيس والتعمية فله شأنٌ آخر.

والقصد أن الظاهر في معناه إذا اطَّرد استعماله في موارده (١) اطرادًا مستويًا امتنع تأويله، وإن جاز تأويلُ ظاهرِ ما لم يطَّرِد في موارد استعماله. ومثال ذلك اطِّراد قوله: {اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى} [طه: ٤]، {ثُمَّ اَسْتَوَى عَلَى اَلْعَرْشِ} [الأعراف: ٥٣] في جميع موارده من أولها إلى آخرها على هذا اللفظ، فتأويله بـ «استولى» باطلٌ. وإنما كان يصح أنْ لو كان أكثَرُ مجيئه بلفظ «استولى»، ثم يخرج موضع عن نظائره، ويرد بلفظ «استوى»، فهذا كان يصح تأويله بـ «استولى». فتفطَّنْ لهذا (٢) الموضع، واجعلْه قاعدةً فيما يمتنع (٣) تأويلُه من كلام المتكلم، وما يجوز تأويله.

ونظير هذا اطراد النصوص بالنظر إلى الله هكذا: «تَرَوْنَ رَبَّكُمْ» (٤)، «تَنْظُرُونَ إِلَى رَبِّكُمْ» (٥)، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢]. ولم يَجِئْ في موضعٍ واحدٍ: «ترون ثواب ربكم»، فيُحمَلَ عليه ما خرج عن نظائره.

ونظير ذلك اطِّراد قوله: {وَنَادَيْنَاهُ} [مريم: ٥١]، {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} (٦) [القصص: ٦٢]، {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} [الأعراف: ٢١]، {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ اِلطُّورِ إِذْ


(١) «ب»: «مراده».
(٢) «ب»: «بهذا».
(٣) «ح»: «تمنع».
(٤) أخرجه البخاري (٥٥٤) ومسلم (٦٣٣) عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه -.
(٥) أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (١١٦٤٠) والطبراني في «المعجم الكبير» (٢/ ٢٩٦، ٣١٠) وهو أحد ألفاظ الحديث السابق.
(٦) {وَيَوْمَ} ليس في «ب».