للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتابٍ ولا سُنةٍ، فحينئذٍ فيترك (١) الاستدلال بالكتاب والسُّنَّة على كل مبطِلٍ، ولم يبقَ إلَّا تصادم الآراء ونتائج الأفكار، لا سيما وقد أعطى الجهمي من نفسه أن أكثر اللغة مجازٌ، وأن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين، وأن العقل إذا (٢) عارَضَ السمعَ وجب تقديم العقل والإعراض عن السمع وإهداره. ثم إما أن يشتغل بتأويله وهي طريقة الخلف العالمين، أو يفوضه ولا يحتج به، وهي طريقة السلف السالمين، فكيف يقوم بعد هذا حُجةٌ من كتابٍ أو سُنةٍ على مبطلٍ من العالمين.

ولهذا كان فتْحُ باب التأويل على النصوص يتضمن عيبها والطعن فيها وعزْلها عن سلطانها، وولاية الآراء الباطلة والشُّبَه الفاسدة.

بل نقول: إنه لا يمكن أرباب التأويل أن يُقِيموا على مبطلٍ حجةً عقليةً أبدًا، وهذا أعجب من الأول. وبيانه: أن الحُجج السمعية مطابقة للمعقول، والسمع الصحيح لا ينفك عن العقل الصريح، بل هما أخوانِ نصيران، وصل الله بينهما، وقرن أحدَهما بصاحبه؛ فقال تعالى (٣): {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اِللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} [الأحقاف: ٢٥]، فذكر ما ينال به العلوم وهي السمع والبصر والفؤاد الذي هو محل العقل.


(١) «ب»: «فترك».
(٢) «ب»: «إذ».
(٣) من قوله: «فيه وجعلنا لهم سمعا» إلى قوله: «ما ذكرنا من تصرف». في الصفحة بعد التالية سقط من «ح».