للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ اِلسَّعِيرِ} [الملك: ١١] فأخبروا أنهم خرجوا عن موجب السمع والعقل.

وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَأيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [يونس: ٦٧] {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَأيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: ٤]، وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ اَلْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: ٢٥] فدعاهم إلى استماعه بأسماعهم وتدبُّرِه بعقولهم. ومثله قوله: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا اُلْقَوْلَ} [المؤمنون: ٦٩]. وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى اَلسَّمْعَ وَهْوَ شَهِيدٌ} [ق: ٣٧].

فجمع سبحانه بين السمع والعقل، وأقام بهما حُجته على عباده، فلا ينفك أحدهما عن صاحبه أصلًا، فالكتاب المنزل والعقل المدرِك حُجة الله على خَلْقه. وكتابه هو الحجة العظمى، فهو الذي عرفنا ما لم يكن لعقولنا سبيلٌ إلى استقلالها بإدراكه أبدًا، فليس لأحدٍ عنه مذهبٌ، ولا إلى غيره مفزعٌ في مجهولٍ يعلمه، ومشكلٍ يستبينه، وملتبسٍ يوضحه. فمن ذهب عنه فإليه يرجع، ومَن دفع حكمه فبه يُحاجُّ خصيمه، إذ كان بالحقيقة هو المرشد إلى الطرق العقلية والمعارف اليقينية التي بالعباد إليها أعظم حاجة. فمَن ردَّ من مدَّعِي البحث والنظر حكومته ودفع قضيته فقد كابَرَ وعاند، ولم يكن لأحدٍ سبيل إلى إفهامه ولا محاجته ولا تقرير الصواب عنده. وليس لأحدٍ أن يقول إني غير راضٍ بحكمه بل بحكم العقل، فإنه متى ردَّ حُكمه فقد ردَّ حكم العقل الصريح، وعانَدَ الكتاب والعقل.

والذين زعموا من قاصري العقل والسمع أن العقل يجب تقديمه على السمع عند تعارضهما؛ إنما أُتوا مِن جهلهم بحكم العقل ومقتضى السمع، فظنوا ما ليس بمعقولٍ معقولًا، وهو في الحقيقة شبهات توهَّم أنه عقلٌ