للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صريحٌ، وليست كذلك؛ أو مِن جهلهم بالسمع، إمَّا نسبتهم إلى الرسول ما لم يقله أو نسبتهم إليه ما لم (١) يرده بقوله، وإمَّا لعدم تفريقهم بين ما لا يُدرك بالعقول وبين ما لا يُدرك استحالته بالعقول. فهذه أربعة أمور أوجبت لهم ظنَّ التعارض بين السمع والعقل:

أحدها: كون القضية ليست من قضايا العقول.

الثاني: كون ذلك السمع ليس من السمع الصحيح المقبول.

الثالث: عدم فَهم مراد المتكلم به.

الرابع: عدم التمييز بين ما يحيله (٢) العقل وما لا يدركه.

والله سبحانه حاجَّ عباده على أَلسُن رسله وأنبيائه فيما أراد تقريرهم به وإلزامهم إيَّاه بأقربِ الطرق إلى العقل، وأسهلِها تناولًا، وأقلها تكلفًا، وأعظمها غَناءً ونفعًا، وأجلِّها ثمرةً وفائدةً. فحُجَجه سبحانه العقلية التي بيَّنها في كتابه جمعت بين كونها عقليةً سمعيةً ظاهرةً واضحةً، قليلةَ المقدمات، سهلة الفهم، قريبة التناول، قاطعة الشكوك والشُّبه، مُلزِمة للمعاند والجاحد. ولهذا كانت المعارف التي استنبطت منها في القلوب أرسخ، ولعموم الخلق أنفع.

وإذا تتبَّع المتتبِّع ما في كتاب الله ممَّا حاجَّ به عباده في إقامة التوحيد وإثبات الصِّفات وإثبات الرسالة والنبوة، وإثبات المعاد وحشر الأجساد، وطرق إثبات علمه بكل خفيٍّ وظاهرٍ، وعموم قدرته ومشيئته، وتفرده بالملك والتدبير، وأنه لا يستحق العبادة سواه = وجد الأمر في ذلك على ما


(١) «يقله أو نسبتهم إليه ما لم» سقط من «ب». وأثبته من «م».
(٢) «ب»: «تخيله». والمثبت هو الصواب.