للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أَسجَلَ سبحانه عليهم إسجالًا عامًّا في كل (١) زمانٍ ومكانٍ بعجزهم عن ذلك، ولو تظاهر عليه الثقلان، فقال: {قُل لَّئِنِ اِجْتَمَعَتِ اِلْإِنسُ وَاَلْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا اَلْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: ٨٨]. فانظر أي موقعٍ يقع من الأسماع والقلوب هذا الحِجَاج القاطع الجليل الواضح، الذي لا يجد طالبُ الحقِّ ومُؤثِره ومريده (٢) عنه مَحيدًا، ولا فوقه مزيدًا، ولا وراءه غاية، ولا أظهر منه آية، ولا أصحَّ منه (٣) برهانًا، ولا أبلغ منه بيانًا.

وقال في إثبات نبوة رسوله باعتبار التأمل لأحواله وتأمُّل دعوته وما جاء به: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا اُلْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ اُلْأَوَّلِينَ ( ٦٩ ) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (٧٠) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [المؤمنون: ٦٩ - ٧١]. فدعاهم سبحانه إلى تدبر القول وتأمُّل حال القائل، فإن كون القول (٤) كذبًا وزورًا يُعلم من نفس القول تارةً، وتناقُضه واضطرابه، وظهور شواهد الكذب عليه، فالكذب بادٍ على صفحاته، وبادٍ (٥) على ظاهره وباطنه. ويُعرف من حال القائل تارةً؛ فإن المعروف بالكذب والفجور والمكر والخداع لا تكون أقواله إلَّا مناسبة لأفعاله، ولا يتأتى منه من القول والفعل ما يتأتى من البارِّ الصادق، المبرَّأ من


(١) «كل» سقط من «ح».
(٢) «ب»: «ويريده وليس».
(٣) «منه» ليس في «ح».
(٤) بعده في «ح»: «للشيء».
(٥) «ح»: «مباد». ومن قوله «وظهور شواهد» إلى هنا سقط من «ب».