للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل فاحشةٍ وغدرٍ وكذبٍ وفجورٍ، بل قلب (١) هذا وقصده وقوله وعمله يشبه بعضه بعضًا، وقلب ذلك وقوله وعمله وقصده يشبه (٢) بعضُه بعضًا. فدعاهم سبحانه إلى تدبُّر القول، وتأمُّل سيرة القائل وأحواله، وحينئذٍ يتبين لهم حقيقة الأمر، وأن ما جاء به في (٣) أعلى مراتب الصدق.

وقال تعالى: {قُل لَّوْ شَاءَ اَللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْراكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثتُّ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يونس: ١٦]. فتأمَّلْ هاتين الحُجتين القاطعتين تحت هذا اللفظ الوجيز:

إحداهما: أن هذا من الله لا مِن قِبَلي، ولا هو مقدور لي، ولا من جنس مقدور البشر، وأن الله سبحانه وتعالى لو شاء لأمسك عنه قلبي ولساني وأسماعكم وأفهامكم، فلم أتمكن من تلاوته عليكم، ولم تتمكنوا من درايته وفَهْمه.

الحُجة الثانية: أني قد لبثتُ فيكم عُمُري إلى حين أتيتكم به، وأنتم تشاهدوني وتعرفون حالي، وتصحبوني (٤) حضرًا وسفرًا، وتعرفون دقيق أمري وجليله، وتتحققون سيرتي، هل كانت سيرة مَن هو مِن أكذب الخلق وأفجرهم وأظلمهم؟ فإنه لا أكذبَ ولا أظلم ولا أقبح سيرةً ممَّن جاهَرَ ربَّه وخالقه بالكذب والفِرية عليه، وطلب إفساد العالم، وظلم النفوس، والبغي في الأرض بغير الحق. هذا وأنتم تعلمون أني لم أكن أقرأ كتابًا ولا أخطُّه


(١) «ح»: «قلت».
(٢) «ح»: «نسبة».
(٣) «ح»: «من».
(٤) قوله: «تشاهدوني»، «وتصحبوني» كذا في النسختين بحذف نون الرفع.