للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علمًا ضروريًّا أن مَن قدر على هذه قدر على هذه، وأنه (١) لو كان عاجزًا عن الثانية لكان عن الأولى أعجز وأعجز.

ولما كان الخَلْق يستلزم قدرة الخالق على مخلوقه وعلمه بتفاصيل خلقه أتبع ذلك بقوله: {وَهْوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: ٧٨]، فهو عليم بالخلق الأول وتفاصيله وجزئياته ومواده وصورته وعلله الأربع، وكذلك هو عليم بالخلق الثاني وتفاصيله ومواده وكيفية إنشائه. فإذا كان تامَّ العلم كاملَ القدرة، فكيف (٢) يتعذر عليه أن يُحْيي العظام وهي رميمٌ.

ثم أكَّد الأمر بحُجةٍ قاهرةٍ وبرهانٍ ظاهرٍ يتضمن جوابًا عن سؤال ملحدٍ آخر يقول: العظام إذا صارت رميمًا عادت طبيعتها باردةً يابسة، والحياة لا بد أن تكون مادتها وحاملها طبيعةً حارة رطبة لتقبل صورة الحياة. فتولَّى سبحانه جواب هذا السؤال (٣) بما يدل على أمر البعث؛ ففيه الدليل والجواب معًا، فقال: {اِلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ اَلشَّجَرِ اِلْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ} [يس: ٧٩]، فأخبر سبحانه بإخراج هذا العنصر الذي هو في غاية الحرارة واليبوسة من الشجر الأخضر الممتلئ بالرطوبة والبرودة. فالذي يخرج الشيء من ضدِّه، وتنقاد (٤) له مواد المخلوقات وعناصرها، ولا تستعصي (٥) عليه، هو الذي يفعل ما أنكره الملحد ودفعه مِن إحياء


(١) «وأنه» سقط من «ح».
(٢) «ح»: «كيف».
(٣) من قوله: «رطبة لتقبل» إلى هنا سقط من «ح».
(٤) «ح»: «ينقاد».
(٥) «ح»: «يستعصي».