للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع أن في قوله: {أَوَمَن يَنشَؤُا فِي اِلْحِلْيَةِ} تعريضًا بما وُضِعَت له الحليةُ من التزين (١) لمن يستفرشهن ويطؤهن، وتعريضًا بأنهن لا ينشأن في الحرب والطِّعَان والشجاعة، فذكر الحلية التي هي علامة الضعف والعجز والوهَن.

ومن هذا ما حكاه سبحانه في (٢) محاجَّة إبراهيم قومه بقوله: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اِللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (٨١ ) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزِلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ اُلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٢ ) اَلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اُلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨١ - ٨٣].

فهذا الكلام لم يخرج في ظاهره مخرجَ كلام البشر الذي يتكلَّفه أهل النظر والجدال والمقايسة والمعارضة، بل خرج في صورة كلامٍ خبريٍّ يشتمل (٣) على مبادئ الحِجاج ومقاطعه (٤)، مشيرًا إلى مقدمات الدليل ونتائجه (٥) بأوضح عبارةٍ وأفصحها وأقربها تناولًا.

والغرض منه أن إبراهيم قال لقومه متعجبًا ممَّا دعوه إليه من الشرك: أتحاجُّوني في الله، وتطمعون أن تستنزلوني عن توحيده بعد أن هداني، وتأكدت بصيرتي، واستحكمت معرفتي بتوحيده بالهداية التي رَزَقَنيها، وقد


(١) «التزين». في «ح»، «م»: «القرين». وفي «ب»: «الزين». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ب»: «من».
(٣) «ب»: «مشتمل».
(٤) «ومقاطعه» ليس في «ح».
(٥) «ب»: «وتناسخه».