للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكيف يليق بالربِّ سبحانه أن يتخذ صاحبة وولدًا من هذا الجنس؟! ولو كان يليق به ذلك أو يمكن لكان الأَوْلى به أن يكون من جنسٍ لا يأكل ولا يشرب، ولا يكون منه الفضلات المستقذَرة التي يُستحى منها ويُرغب عن ذكرها.

فانظر ما تضمنه هذا الكلام الوجيز البليغ المشتمل على هذا المعنى العظيم الجليل الذي لا يجد سامعه مَغْمزًا له، ولا مَطْعنًا فيه، ولا تشكيكًا ولا سؤالًا يُورِده عليه، بل يأخذ بقلبه وسمعه.

ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهْوَ كَظِيمٌ ١٦ أَوَمَن يَنشَؤُا فِي اِلْحِلْيَةِ وَهْوَ فِي اِلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: ١٦ - ١٧]. احتجَّ سبحانه على هؤلاء الذين جعلوا له البنات بأن أحدهم لا يرضى بالبنات، وإذا بُشِّر بالأنثى حصل له من الحزن والكآبة ما ظهر منه السوادُ على وجهه، فإذا كان أحدكم لا يرضى بالإناث بناتًا (١)؛ فكيف تجعلونها لي؟! كما قال تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: ٦٢].

ثم ذكر سبحانه ضَعْف هذا الجنس الذي جعلوه له، وأنه أنقصُ الجنسين، ولهذا يحتاج في كماله إلى الحلية [ق ٢٨ أ] وأضعفهما بيانًا، فقال تعالى: {أَوَمَن يَنشَؤُا فِي اِلْحِلْيَةِ وَهْوَ فِي اِلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: ١٧]، فأشار بنشأتهن في الحلية إلى أنهن (٢) ناقصات، فيحتجن إلى حلية يَكمُلن بها، وأنهن عَيِيَّات فلا يُبِنَّ عن حُجتهن وقت الخصومة.


(١) كذا منصوبًا بالفتحة، قال السيوطي في «همع الهوامع» (١/ ٦٧): «ما جُمع بألف وتاء فينصب بالكسرة، وأجاز الكوفية الفتح».
(٢) في النسختين: «أنها». والمثبت من «م».