للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ} [يس:٢٢] فإن العابد يريد من معبوده أن ينفعه وقتَ حاجته إليه، وإنما إذا أرادنِيَ الرحمنُ الذي فطرني بضرٍّ لم يكن لهذه الآلهة من القدرة ما ينقذوني بها من ذلك الضرِّ، ولا من الجاه والمكانة عنده ما يشفع لي إليه، لأتخلص من ذلك الضرِّ؛ فبأي وجهٍ يستحق العبادة؟ {إِنِّيَ إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [يس: ٢٣] إنْ عبدتُ من دون الله ما هذا شأنه.

وهذا الذي ذكرناه من حِجاج القرآن يسيرٌ من كثيرٍ، وإنما نبَّهنا على ما لم نذكر منه. والمقصود أنه متضمِّنٌ للأدلة (١) العقلية والبراهين القطعية التي لا مطمعَ في التشكيك والأَسْوِلة عليها إلَّا لمعاندٍ مكابرٍ.

والمتأول لا يمكنه أن يقيم على مبطلٍ حُجةً نقليةً ولا عقليةً. أمَّا النقل فلأنه عنده قابلُ التأويل وهو لا يُفيد اليقين، وأمَّا العقل فلأنه قد خرج عن صريحه وموجبه بالقواعد التي قادته إلى تأويل النصوص وإخراجها عن ظواهرها وحقائقها، فصارت تلك القواعد الباطلة حجابًا بينه وبين العقل والسمع، فإذا احتجَّ على خصمه بحُجةٍ عقليةٍ نازعه خصمه في مقدماتها بما سَلِمَ له من القواعد التي يخالفها، فإن المعقول الصريح هو ما دلت عليه النصوص، فإذا أبطله (٢) بالتأويل لم يبقَ معه معقولٌ صحيحٌ يحتجُّ به على خَصْمه، كما لم يبقَ معه منقولٌ صريحٌ؛ فإنه قد عرض المنقول للتأويل، والمعقول الصريح خرج عنه بالذي ظن أنه معقول.


(١) «ح»: «يتضمن الأدلة».
(٢) «ح»: «بطل».