للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمَّا حدث بعد انقضاء عصرهم مَنْ ساء فهمُه وساء قصدُه (١) وقعوا في أنواع من (٢) التأويل بحسب سوء الفهم وفساد القصد [ق ٣٠ أ]. وقد يجتمعان وقد ينفردان، وإذا (٣) اجتمعا تولَّد من بينهما جهلٌ بالحق ومعاداة لأهله واستحلال ما حرَّم الله منهم.

وإذا تأملتَ أصول المذاهب الفاسدة رأيتَ أربابها قد اشتقوها من بين هذين الأصلينِ، وحملهم عليها منافسةٌ في (٤) رياسةٍ أو مالٍ أو توصُّلٍ إلى عَرَض من أعراض (٥) الدُّنيا، تخطبه الآمالُ، وتتبعه الهممُ، وتشرئبُّ إليه النفوسُ، فيتفق للعبد شبهةٌ وشهوةٌ، وهما أصل كل فسادٍ، ومنشأ كل تأويلٍ باطلٍ.

وقد ذمَّ الله سبحانه مَن اتبع الظنّ وما تهوى الأنفس، فالظن: الشبهات وما تهوى الأنفس (٦): الشهوات، وهما اللذان ذكرهما في سورة براءة في قوله تعالى: {كَاَلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاَسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاَسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اَسْتَمْتَعَ اَلَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَاَلَّذِي خَاضُوا} [التوبة: ٦٩].

فذكر الاستمتاعَ بالخَلاقِ، وهو التمتع بالشهوات، وهو نصيبهم الذي


(١) وسوء القصد هو السبب الثاني الذي من السامع.
(٢) «من» ليس في «ب».
(٣) «ب»: «فإذا».
(٤) «في» ليس في «ح».
(٥) «ب»: «غرض من أغراض».
(٦) «فالظن الشبهات، وما تهوى الأنفس». سقط من «ح».