للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هذا النوع المنقسم قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اَللَّهُ مَا اَقْتَتَلَ اَلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ اُلْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اِخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ} [البقرة: ٢٥١]. وقال تعالى: {وَمَا اَخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اَللَّهِ} [الشورى: ٨].

والاختلاف المذموم كثيرًا ما يكون مع كل فِرقةٍ من أهله بعضُ الحقِّ، فلا يقرُّ له خَصمه به، بل يجحده إيَّاه بغيًا ومنافسةً، فيحمله ذلك على تسليط التأويل الباطل على النصوص التي مع خصمه. وهذا شأن جميع المختلفين، بخلاف أهل الحق؛ فإنهم يعلمون الحقَّ مِن كل [ق ٣٠ ب] مَن جاء به، فيأخذون حقَّ جميع الطوائف، ويردون باطلهم، فهؤلاء الذين قال الله فيهم: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: ٢١١]. فأخبر سبحانه أنه هدى عباده لِمَا اختلف فيه المختلفون.

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيْكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيْهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» (١).

فمَن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحقِّ حيث كان ومع مَن كان، ولو كان مع مَن يُبْغِضُه ويُعاديه، وردِّ الباطل مع من كان ولو كان مع مَن يحبه ويُوالِيه؛ فهو ممَّن هُدي لما اختلف فيه من الحقِّ، فهذا أعلم الناس،


(١) أخرجه مسلم (٧٧٠) عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -.