للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأهداهم سبيلًا، وأقومهم قِيلًا.

وأهلُ هذا المسلك إذا اختلفوا فاختلافهم اختلاف رحمةٍ وهدًى، يقرُّ بعضهم بعضًا عليه ويواليه ويناصره، وهو داخل في باب التعاون والتناصر الذي لا يستغني عنه الناس في أمور دينهم ودنياهم بالتناظر والتشاور، وإعمالهم الرأي، وإجالتهم الفِكرَ في الأسباب المُوصِلة إلى دَرَك الصواب، فيأتي كلٌّ منهم بما قَدَحَه زِنادُ فِكره، وأدركَه قوةُ بصيرته. فإذا قُوبل بين الآراء المختلفة والأقاويل المتباينة، وعُرضت على الحاكم الذي لا يجور، وهو كتاب الله وسُنة رسوله، وتجرَّد الناظر عن التعصب والحمية، واستفرغ وسعه، وقصد طاعة الله ورسوله، فقلَّ (١) أن يخفى عليه الصوابُ من تلك الأقوال، وما هو أقرب إليه، والخطأ وما هو أقرب إليه (٢)؛ فإن الأقوال المختلفة لا تخرج عن الصواب (٣) وما هو أقرب إليه، والخطأ (٤) وما (٥) هو أقرب إليه، ومراتب القرب والبعد متفاوتة.

وهذا النوع من الاختلاف لا يُوجِب معاداةً ولا افتراقًا في الكلمة، ولا تبديدًا للشمل؛ فإن الصحابة - رضي الله عنهم - اختلفوا في مسائلَ كثيرةٍ من مسائل الفروع، كالجَدِّ مع الإخوة، وعِتق أُم الولد بموت سيدها، ووقوع الطلاق الثلاث بكلمة واحدة، وفي الخليَّة والبريَّة والبتَّة، وفي بعض مسائل


(١) «ح»: «قول».
(٢) «والخطأ وما هو أقرب إليه». سقط من «ح».
(٣) «ب»: «صواب».
(٤) «ح»: «وخطأ».
(٥) «ح»: «ما».