للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين» أنه لا يُعلم بها مراد المتكلم. فأمَّا كون مراده مطابقًا للحق فذاك مبنيٌّ على ثبوت صِدْقه وعِلْمه، وليس مرادهم هذا، وإن أرادوا ذلك دون الأول فهو موقوفٌ على ثبوت عصمة المتكلم، ومعرفة صِدْقه فقط، فمَن عَرَف أن الرَّسول أراد هذا المعنى وعرف أنه صادق؛ حصل له العلم اليقيني، والمقدمة الثَّانية إيمانية؛ فإن كل من شَهِدَ أن محمدًا رسول الله عَلِمَ أنه خبرٌ طابقَ لمُخبره، فلا يجوز عليه الإخبار بما لا يُطابق مخبره، وأمَّا المقدمة الأولى فتعرفها علماء أُمته وورثتُه وخلفاؤه.

قلت: هاهنا أمران:

أحدهما: اليقين بمراد المتكلم.

والثَّاني: اليقين بأن ما أراده هو الحق.

فقول القائل: «كلام الله ورسوله لا يفيد اليقين» يحتمل أن يريد به مجموع الأمرين، أي: لا يفيد علمًا بمراده، ولو أفاد علمًا بالمراد لم يُفِد علمًا بكون ذلك المراد مطابقًا للحقِّ في نفس الأمر.

ويحتمل أن يريد به المعنى الأول فقط، وأنه لو حصل لنا اليقين بمراده لحصل لنا اليقين بكونه حقًّا في نفس الأمر.

ويحتمل أن يريد به المعنى الثَّاني فقط، وهو أنه لو حصل اليقين بمراده لم يحصل اليقين بكونه مطابقًا للحقِّ، فإن ذلك لا يعلم إلَّا بأدلة المعقول، لا يُعلم بمجرَّد الخبر.

فهذه ثلاثة احتمالات. فإن أراد المعنى الأوَّل أو الثَّالث كان ذلك قدحًا في الإيمان به، وتجويز [ب ٧٧ ب] الكذب عليه، وأمثال ذلك منافٍ للجزم