للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بتصديقه. وإن أراد المعنى الثَّاني وَحْدَه وهو أنها لا يحصل منها اليقين بمراده، ولو حصل ذلك منها لحصل اليقين بكونه حقًّا؛ فهذا وإن لم يقدح في تصديقه فهو قادحٌ في تحكيمه، والتحاكُم إليه، والاهتداء بكلامه، موجبٌ لعَزْله عن ذلك والإعراض عنه؛ فإن التحاكم إلى من لا يُفيدُك كلامُه عِلْمًا ولا يقينًا لا يحصل به المقصود. فإذا انضم إلى هذه المقدِّمة أن النَّقل إذا عارَضَ العقل وجب تقديم العقل كمل عزلُ الوحي، واستحكم الإعراض عنه في باب معرفة الله عز وجل وأسمائه وصفاته وأفعاله.

فنقول: معرفة مراد المتكلم تحصل بالنقل المتواتر، كما حصل العلم بأنه قال ذلك اللفظَ بالنقل المتواتر، فإنَّا نعلم أن قوله: {وَلِلَّهِ عَلَى اَلنَّاسِ حَجُّ اُلْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] متواترٌ نَقْلُ لفظِه ونَقْلُ معناه عن الرسول، ونعلم أن المراد بالله ربُّ العالمين، وبالنَّاس بنو آدم، وبالبيت الكعبة التي يحُجُّها النَّاس بمكة، كما علمنا بالتواتر أن الرَّسول بلَّغ هذا الكلام عن الله. وكذلك نعلم بالتواتر أن قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ اَلَّذِي أُنزِلَ فِيهِ اِلْقُرْآنُ} [البقرة: ١٨٤] المراد به هذا الشَّهر الذي بين شعبان وشوال، وأن القرآن هذا الكتاب الذي بين دَفَّتَيِ المصحف.

وكذلك عامَّة ألفاظ القرآن، نعلم قطعًا مرادَ الله ورسوله منها، كما نعلم قطعًا أن الرَّسول بلَّغها عن الله. فغالب معاني القرآن معلومٌ أنها مراد الله؛ خبرًا كانت أو طلبًا، بل العلم بمراد الله من كلامه أَوضَحُ وأَظهَرُ من العلم بمراد كل متكلمٍ من كلامه؛ لكمال علم المتكلم، وكمال بيانه، وكمال هُداه وإرشاده، وكمال تيسيره للقرآن حفظًا وفهمًا، وعملًا وتلاوةً. فكما بلَّغ الرَّسولُ ألفاظَ القرآن للأُمة بلَّغهم معانيَه، بل كانت عنايته بتبليغ معانيه أعظمَ