للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من مجرَّد تبليغ ألفاظه؛ ولهذا وصل العلم بمعانيه إلى مَن لم يَصِلْ إليه حِفْظ ألفاظه. والنقل لتلك المعاني أشدُّ تواترًا وأقوى اضطرارًا، فإن حِفْظَ المعنى أيسرُ من حفظ اللفظ، وكثيرٌ من النَّاس يعرف صورة المعنى ويحفظها، ولا يحفظ اللفظ، والذين نقلوا الدِّين عنه علموا مراده قطعًا لمَّا تلا عليهم تلك الألفاظ.

ومعلومٌ أن المقتضى التَّام لفهم الكلام الذي بلَّغهم إيَّاه قائمٌ، وهم قادرون على فَهْمِه، وهو قادر على إفهامهم، وإذا حصل المقتضى التَّامُّ لَزِمَ وجود مقتضاه.

وبالجملة فالأدلة السَّمعية اللفظية قد تكون مبنيَّة على مقدِّمتين يقينيتين:

إحداهما: أن النَّاقلين إلينا فَهِمُوا مراد المتكلم.

والثَّانية: أنهم نقلوا إلينا ذلك المراد، كما نقلوا اللفظ الدَّالَّ عليه.

وكلا المقدِّمتين معلومةٌ بالاضطرار، [ب ٧٨ أ] فإن الذين خاطبهم النَّبي - صلى الله عليه وسلم - باسم الصَّلاة والزَّكاة والصَّوم والحجِّ والوضوء والغسل وغيرها من ألفاظ القرآن في سائر الأنواع من الأعمال والأعيان والأزمنة والأمكنة وغيرها، يُعلم بالاضطرار أنهم فَهِمُوا مراده من تلك الألفاظ التي خاطبهم بها أعظمَ من حفظهم لها. وهذا ممَّا جرت به العادة في كلِّ مَن خاطب قومًا بخطبةٍ، أو دارسهم علمًا، أو بلَّغهم رسالةً: أن حِرْصَه وحرصهم على معرفة مراده أعظمُ من حرصهم على مجرد حِفْظ ألفاظه. ولهذا يضبط النَّاس من معاني المتكلِّم أكثرَ ممَّا يضبطونه من لفظه، فإن المقتضي لضبط المعنى أقوى من المقتضي لحفظ اللفظ؛ لأنه هو المقصود، واللفظ وسيلة إليه، وإن