للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانا (١) مقصودين فالمعنى أعظم المقصودين، والقدرة عليه أقوى، فاجتمع عليه قوة الدَّاعي وقوة القدرة وشدة الحاجة. فإذا كانوا قد نقلوا الألفاظ التي قالها الرسول مبلِّغًا لها عن الله، وألفاظه التي تكلَّم بها يقينًا؛ فكذلك نقلهم لمعانيها، فهم سمعوها يقينًا، وفهموها يقينًا، ووصل إلينا لفظها يقينًا، ومعانيها يقينًا.

وهذه الطَّريقة إذا تدبَّرها العاقل علم أنها قاطعةٌ، وأن الطَّاعن في حصول العلم بمعاني القرآن شرٌّ من الطَّاعن في حصول العلم بألفاظه. ولهذا كان الطَّعن في نقل بعض ألفاظه من فعل الرافضة، وأمَّا الطَّعن في حصول العلم بمعانيه فإنه من فِعْل الباطنية الملاحدة، فإنهم سلَّموا أن الصَّحابة نقلوا الألفاظ التي قالها الرَّسول، وأن القرآن منقولٌ عنه، لكن ادَّعَوْا أنَّ لها معانيَ تخالف المعاني التي يعلمها المسلمون، وتلك هي باطن القرآن وتأويله. وقول القائل: «الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين» دِهليز (٢) إلى مذهب هؤلاء، ومرقاة إليه، لكن الفرق بينهما أنه يقول: لا أعلم مراد المتكلم بها، وهم يقولون: مراده هذه التأويلات الباطنة.

وما جاء به الرَّسول نوعان: طلبٌ وخبرٌ، فالطلب يقولون: المراد به تحصيل الأخلاق التي تستعدُّ بها النَّفس لنَيْل العلوم العقلية، فإذا حصلت لها تلك المعارف لم يكن لاشتغالها بتلك الأسباب التي أُمِرَت بها فائدةٌ، فسقط عنها ما يجب على غيرها من النُّفوس الجاهلة، ويُباح لها ما يَحرُم على


(١) «ب»: «كان».
(٢) الدِّهليز: المدخل إلى الدار، فارسي معرَّب، والجمع الدهاليز. «المصباح المنير» (١/ ٢٠١).