للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيرها. وعند هؤلاء مقصود الشَّرائع تعديل النفوس بالأخلاق التي [ب ٧٨ ب] تُعِدُّها لإدراك العلوم.

وأمَّا الأخبار فعقلاؤهم ورؤوسهم يعلمون قطعًا أن الرُّسل إنَّما أرادت إفهام الخَلْق ظواهرها وما دلَّت عليه، لكن لا حقيقة لها في نفس الأمر، والرسل كانت تعلم ذلك، لكن خيَّلوا إلى النَّاس ما ينتفعون به، ويكونون به أدعى إلى الانقياد، ولم يكن ذلك إلَّا بإظهار ما لا حقيقة له. وذلك سائغٌ للمصلحة، إذ كان فهمُ الجمهور عندهم للحقائق في نفس الأمر يُوجِب انحلالهم وانهماكهم في الشَّهوات.

وطائفة منهم تزعم أن الرُّسل إنَّما قصدت إفهام تلك التأويلات، لكن أهل الظَّاهر غَلُظَ حجابهم، وكَثُفَت أفهامُهم عن إدراكها، فوقعوا بسبب قصور أفهامهم في العناء والمشقَّة وتَحمُّل أعباء التَّكاليف. وهؤلاء وضعوا لهم قانونًا في تأويل الأمر والنَّهي والخبر، كما وضعت الجهميَّة والقَدَرية لهم قانونًا في تأويل آيات الصِّفات وأخبارها، [واتفقت] (١) الطَّائفتان على تقديم ما ظنُّوه من العقليات على نصوص الوحي، وأنها لا يُستفاد منها علمٌ أصلًا.

ولا يُعرف أحدٌ من فرق الإسلام قبل ابن الخطيب وَضَعَ هذا الطَّاغوت وقرَّره وشيَّد بُنيانَه وأَحكَمَه مثله، بل المعتزلة والأشعرية والشِّيعة والخوارج وغيرهم يقولون بفساد هذا القانون، وإن اليقين يُستفاد من كلام الله ورسوله، وإن كان بعض هذه الطَّوائف يوافقون صاحب هذا القانون في بعض المواضع، فلم يقل أحدٌ منهم قطُّ إنه لا يحصل اليقين من كلام الله ورسوله البتَّةَ.


(١) «ب»: «وانقطعت». والمثبت هو الصواب.