للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل تارةً يقول بالقول ويجزم به، وتارةً يقول بضِدِّه ويجزم به، وتارةً يَحار ويقف ويتعارض عنده الأدلة العقلية!

وأهل الكلام والفلسفة أشدُّ اختلافًا وتنازُعًا بينهم فيها من جميع أرباب العلوم على الإطلاق. ولهذا كلما كان الرجل منهم أفضل كان إقراره بالجهل والحَيْرة على نفسه أعظم، كما قال بعض العارفين (١): أكثر النَّاس شكًّا عند الموت أهل الكلام.

وقال أفضل المتأخرين (٢) [ب ٨٤ ب] من هؤلاء لتلاميذه عند الموت: «أشهدكم أني أموت وما عَرَفت مسألةً واحدةً إلَّا مسألة افتقار الممكن إلى واجب «. ثم قال: «والافتقار أمرٌ عدميٌّ فها أنا ذا أموت وما عَرَفت شيئًا».

وقال ابن الجويني (٣) عند موته: «لقد خُضت البحر الخضمَّ، وخَلَّيْت أهل الإسلام وعلومهم، وما أدري على ماذا أموت، أُشهدكم أني أموت على عقيدة أُمي».

وقال آخر في خطبة كتابه في الكلام (٤):

لَعَمْرِي لَقَدْ طُفْتُ المَعَاهِدَ كُلَّهَا ... وَسَيَّرْتُ طَرْفِي بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ

فَلَمْ أَرَ إِلَّا وَاضِعًا كَفَّ حَائِرٍ ... عَلَى ذَقَنٍ أَوْ قَارِعًا سِنَّ نَادِم


(١) هو أبو حامد الغزالي، وتقدم (ص ١٧).
(٢) هو الخونجي، وتقدم (ص ١٧).
(٣) تقدم (ص ١٧).
(٤) هو الشهرستاني في «نهاية الإقدام» (ص ٣) وتقدم (ص ١٦).