للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الرَّازي في كتابه «أقسام اللذات» (١) وقد ذكر أنواعها، وأن أشرفها لذة العلم والمعرفة، وأشرفَ العلم: العلم الإلهي لشرف معلومه وشدة الحاجة إليه، وأنه على ثلاثة أقسام: «العلم بالذَّات وعليه عُقدة، وهي أن الوجود هل هو الماهية أو زائد عليها؟ والعلم بالصفات، وعليه عقدة، وهي أن الصِّفات هل هي أمور وجودية زائدة على ذات الموصوف أم ليست بزائدة على الذَّات؟ والعلم بالأفعال وعليه عقدة، وهي هل الفعل مقارنٌ للفاعل أو متراخٍ عنه؟ ثم قال: ومَن الذي وصل إلى هذا الباب أو ذاق من هذا الشراب؟». ثم أنشد (٢):

نِهَايَةُ إِقْدَامِ العُقُولِ عِقَالُ ... وَأَكْثَرُ سَعْيِ الْعَالَمِينَ ضَلَالُ

وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا ... وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَالُ

وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا ... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا

وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ قَدْ عَلَتْ شُرُفَاتِهَا ... رِجَالٌ فَمَاتُوا وَالْجِبَالُ جِبَالُ

لقد تأمَّلْت الطُّرُق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تَشفي عليلًا، ولا تُروي غليلًا، ورأيت أقرب الطُّرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: {اَلرَّحْمَنُ عَلَى اَلْعَرْشِ اِسْتَوى} [طه: ٤] {إِلَيْهِ يَصْعَدُ اُلْكَلِمُ اُلطَّيِّبُ} [فاطر: ١٠]، وأقرأ في النَّفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ٩] {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: ١٠٧]. ومن جرَّب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي».


(١) «رسالة ذم لذات الدنيا» (ص ٢٥٢ - ٢٦٣) والنقل باختصار كبير، وبعضه بالمعنى، وبعضه ليس موجودًا في المطبوع.
(٢) «رسالة ذم لذات الدنيا» (ص ٢٦٢).