للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبِيلَ عقابه، فعَمَدَ كثيرٌ من المفسرين إلى تلك العمومات فنسبوها إلى أولئك الأشخاص، وقالوا: إنهم المعنيون بها.

وكذلك الحال في أحكام وقعت في القرآن كان بُدُوَّ افتراضها أفعالٌ ظهرت من أقوامٍ، فأنزل الله بسببها أحكامًا، صارت شرائعَ عامة إلى يوم القيامة، فلم يكن من الصواب إضافتها إليهم وأنهم هم المرادون بها، إلَّا على وجهِ ذِكْرِ سبب النزول فقط، وأن تناولها لهم ولغيرهم تناولٌ واحدٌ.

فمن التقصير القبيح أن يُقال في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا اَلنَّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: ٢٠]: إن المراد بالنَّاس أهل مكة. فيأتي إلى لفظٍ من أشمل ألفاظ العموم أُريد به النَّاس كلهم عربهم وعجمهم قرنًا بعد قرن إلى أن يطوي الله الدنيا، فيقول: المراد به أهل مكة. نعم هم أَسْبَق وأَوَّل من أُريد به؛ إذ كانوا هم المواجهين بالخطاب أوَّلًا.

وهذا كثيرٌ في كلامهم، كقولهم: المراد بقوله كذا وكذا أبو جهل، أو أُبيُّ بن خلف، أو الوليد بن المغيرة، أو عبد الله بن أُبي، أو عبد الله بن سلَام من سادة المؤمنين، كما يقولون في كل موضعٍ ذُكر فيه: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ اُلْكِتَابِ} [الرعد: ٤٤]: إنه عبد الله بن سلَام (١). وهذا باطلٌ قطعًا؛ فإن هذا مذكورٌ في سُوَرٍ مكيةٍ، كسُّورة الرعد؛ حيث لم يكن عبد الله بن سلَام قد


(١) أخرجه الطبري في «التفسير» (١٣/ ٥٨٣) عن عبد الله بن سلَام نفسه.
وأخرجه سفيان الثوري في «التفسير» (٤٦٠) والطبري في «التفسير» (١٣/ ٥٨٢) عن مجاهد. وهو في «تفسير مجاهد» (ص ٤٠٩).
وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (١/ ٣٣٩) والطبري في «التفسير» (١٣/ ٥٨٣) عن قتادة.