للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مضوا وانقرضوا.

ومَن تأمَّل خطاب القرآن وألفاظه وجلالة المتكلِّم به وعظمة ملكه وما أراد به من الهداية العامة لجميع الأُمم قرنًا بعد قرنٍ إلى آخر الدهر، وأنه جعله إنذارًا لكل من بلغه من المكلفين، لم يَخْفَ عليه أن خطابه العامَّ إنما جُعل بإزاء أفعال حسنة محمودة، وأخرى قبيحة مذمومة، وأنه ليس منها فعل إلَّا والشركة فيه موجودة أو ممكنة، وإذا كانت الأفعال مشتركة كان الوعد والوعيد المعلَّق بها مشتركًا. ألا ترى أن الأفعال التي حُكيت عن أبي جهل بن هشام والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأضرابهم، وعن عبد الله بن أُبيٍّ وأضرابه كان لهم فيها شركاءُ كثيرون حكمهم فيها حكمهم؟!

ولهذا عدل الله سبحانه عن ذِكْرهم بأسمائهم وأعيانهم إلى ذِكْر أوصافهم وأفعالهم وأقوالهم؛ لئلا يَتوهَّم متوهِّم اختصاص الوعيد بهم، وقَصْره عليهم، وأنه لا يجاوزهم، [ب ٩٣ ب]. فعلَّق سبحانه الوعيد على الموصوفين بتلك الصِّفات دون أسماء من قامت به إرادةً لتعميم الحكم وتناوله لهم ولأمثالهم ممَّن هو على مثل حالهم.

وهكذا الحكم فيمن أثنى عليه ومدحه بما صدر منه من قولٍ أو فعلٍ، عدل سبحانه عن ذِكْره باسمه وعينه إلى ذِكْره بوصفه وفعله؛ ليتناول المدح لمن شَرَكه في ذلك من سائر النَّاس. فإذا حمل السَّامع قوله: {وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ اُلْمُتَّقُونَ} [الزمر: ٣٢] وقوله: {وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ اُلصِّدِّيقُونَ} [الحديد: ١٨] ونظائرهما على أبي بكر الصدِّيق أو علي بن أبي طالب، فقد ظلم اللفظ والمعنى، وقصَّر به غاية