للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التقصير، وإن كان الصدِّيق أوَّل وأَوْلى من دخل في هذا اللفظ العامِّ وأُريد به.

ونظير ذلك ما ذكره بعضهم في قوله: {إِنَّ اَلْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} إلى قوله: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (٧) وَيُطْعِمُونَ اَلطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: ٥ - ٨]: إن المراد بذلك علي بن أبي طالب (١). فجمع إلى حمل هذا اللفظ العام المجاهرة بالكذب والبَهت في دعواه نُزُولَها في عليٍّ، فإن السورة مكية، وعليٌّ كان بمكة فقيرًا، قد ربَّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجره، فإن أبا طالب لمَّا مات اقتسم بنو عبد المطلب أولاده؛ لأنه لم يكن له مالٌ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليًّا وربَّاه عنده، وضمَّه إلى عياله فكان فيهم (٢).

ومَن تأمَّل هذه السورة عَلِمَ يقينًا أنه لا يجوز أن يكون المراد بألفاظها العامة إنسانًا واحدًا، فإنها سورةٌ عجيبةُ التبيان، افتُتحت بذِكْر خَلْق الإنسان، ومبدئه، وجميع أحواله من بدايته إلى نهايته، وذِكْرِ أقسام الخَلْق في أعمالهم واعتقاداتهم ومنازلهم من السعادة والشقاوة؛ فتخصيصُ العامِّ فيها بشخصٍ واحدٍ ظُلْمٌ وهَضْمٌ ظاهرٌ للفظها ومعناها.

وشبيهٌ بهذا ما ذكره بعضهم في قوله تعالى: {* وَوَصَّيْنَا اَلْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كَرْهًا وَوَضَعَتْهُ كَرْهًا} [الأحقاف: ١٤]: إنها نزلت في أبي بكر


(١) قال مقاتل بن سليمان في «تفسيره» (٤/ ٥٢٤): «يعني: علي بن أبي طالب وأصحابه الأبرار الشاكرين لله».
(٢) أخرجه ابن إسحاق في «السيرة» ـ كما في «تهذيب السيرة» لابن هشام» (١/ ٢٤٦) ـ والطبري في «التاريخ» (٢/ ٣١٣) والحاكم في «المستدرك» (٣/ ٥٧٦) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٢/ ١٦٢) عن مجاهد بن جبر مرسلًا.