للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مراده بكلامه، ولا تيقَّنت الأُمة إلى الآن ما أراد بكلامه، فهذا لا يقوله إلَّا مَن هو مِن أجهل النَّاس بالله ورسوله وكلامه.

ونحن لا نُنكر أن في أرباب المعقولات مَن هو في غاية البعد عن معرفة الله ورسوله وما جاء به، وأنه لم يحصل له اليقين من كلام الله ورسوله؛ وذلك لبُعْده منه، وعدم أنسه (١) به، [ق ٤١ أ] وسوء ظنِّه به، واعتقاده أن كلامه خَطابة لا برهان، وأنه تخييل خيَّل به إلى النفوس، وشبَّه لها الأمور العقلية وأخرجها في الصور المحسوسة، وأن القرآن إنما هو خطاب للعرب الجُهَّال الذين هم من أجهل الأمم بالعلوم والحقائق، وأنهم لم تُمكَّن دعوتهم إلَّا بالطريق الخطابية التخييلية، لا بالطريق البرهانية العقلية الحكمية، وأن طريق الحكمة والبرهان هي طرق الفلاسفة والمنطقيين والصَّابئة وأتباعهم.

فلا ريبَ أن القرآن في حقِّ مثل هذا لا يُفيده اليقين، بل هو عمًى عليه وضلالٌ في حقِّه، كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهْوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: ٤٣]. قال مجاهد: «بعيدٌ من قلوبهم فَهْم ما يُتلى عليهم» (٢). وقال الفراء (٣): «تقول للرجل الذي لا يفهم كلامك: أنت تُنادَى من مكانٍ بعيدٍ». وقال صاحب «النظم» (٤): «أي إنهم لا يسمعون ولا يفهمون، كما أن من


(١) «ح»: «الفسه». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) أخرجه الطبري في «التفسير» (٢٠/ ٤٥١).
(٣) «معاني القرآن» (٣/ ٢٠).
(٤) لم أعرف من هو، وقد نقله عنه الواحدي في «التفسير البسيط» (١٩/ ٤٧٢) ولم يسمه. ويبدو أن المصنف نقل عن الواحدي تفسير هذه الآية.