للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دُعي من مكانٍ بعيدٍ لم يَسمَع ولم يَفهَم».

وهذا حال هؤلاء الذين لا يستفيدون من كلام الله ورسوله يقينًا ولا علمًا، وهذه أيضًا حال الجُهَّال ومَن نَشَأَ بالبوادي ومَن لا فَهْم له من أهل البَلَه والبلادة وأمثال هؤلاء، فإن هؤلاء لا يستفيدون من كلام الله ورسوله علمًا ولا يقينًا.

فقول القائل: «الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين» لم يذكر المفعول، بل حذفه. فإن إراد (١) أنها لا تُفيد اليقين لهاتين الطَّائفتين فصَدَقَ، وإن أراد أنها لا تفيده للراسخين في العلم وأهل الذكاء ـ الذين هم أحسن النَّاس قصودًا وأصحهم أذهانًا ـ فقد كَذَبَ عليهم وبَهَتَهم، فإنهم قد استفادوا منها من اليقين ما لم يستفِدْه أهل منطق اليونان وأتباع الفلاسفة وأفراخ الصَّابئة وورثة الملاحدة وأوقاح الجهمية من قواعدهم الباطلة. فدعواهم أنهم (٢) لم يستفيدوا منها يقينًا مكابرةٌ لهم في الأمور الوجدانية الحاصلة لهم.

وإن قالوا: نحن لم نستفد منها يقينًا.

قيل لهم: لا يلزم من ذلك ألَّا تُفيد اليقين لأهل العلم والإيمان، وقد قال مَن لم يستفد العلم واليقين من القرآن للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما حكاه الله عنهم بقوله: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصلت: ٤]. ولم يمنع هذا ارتفاعَ هذه الموانع واستفادة الهدى واليقين في حقِّ المؤمنين المصدِّقين، بل كان في حقهم هدًى وشفاء.


(١) «ح»: «إفادتها». ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) «ح»: «أنكم».