للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخبرًا، فهو العلم المُزكِّي للنفوس، المُكمِّل للفِطَر، المُصحِّح للعقول، الذي خصَّه الله باسم العلم، وسمَّى ما عارضه ظنًّا لا يغني من الحقِّ شيئًا، وخرصًا وكذبًا، فقال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ اَلْعِلْمِ} [آل عمران: ٦٠]. وشهد لأهله أنهم أولو العلم، فقال تعالى: {وَقَالَ اَلَّذِينَ أُوتُوا اُلْعِلْمَ وَاَلْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثتُّمْ فِي كِتَابِ اِللَّهِ إِلَى يَوْمِ اِلْبَعْثِ} [الروم: ٥٦]. وقال: {شَهِدَ اَللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَاَلْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا اُلْعِلْمِ} [آل عمران: ١٨] والمراد أولو العلم بما أنزله على رسله ليس إلَّا، ليس المراد أولو العلم بالمنطق والفلسفة وفروعهما (١).

وقال تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: ١١١] فالعلم الذي أمره باستزادته هو علم الوحي، لا علم الكلام والفلسفة والمنطق.

وقال تعالى: {* لَّكِنِ اِللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: ١٦٥] أي: أنزله وفيه عِلْمُه (٢)، لا يعلمه البشر. فالباء للمصاحبة، مثل قوله: {* فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاَعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اِللَّهِ} [هود: ١٤] أي: أُنزل وفيه علم الله (٣)، وذلك من أعظم البراهين على صحة نبوة من جاء به. ولم يصنع


(١) «ح»: «وفروعهم». والمثبت من «م».
(٢) وهو قول الزجاج في «معاني القرآن» (٢/ ١٣٤) وأبي علي الفارسي في «الحجة للقراء السبعة» (٢/ ١٦٠). وينظر «التفسير البسيط» (٧/ ١٩٩).
(٣) قال الزجاج في «معاني القرآن» (٣/ ٤٢): «ومعنى {أُنزِلَ بِعِلْمِ اِللَّهِ} أي: أُنزل والله عالم بإنزاله، وعالم أنه حقٌّ من عنده، ويجوز أن يكون ـ والله أعلم ـ {بِعِلْمِ اِللَّهِ} أي: بما أنبأ الله فيه من غيبٍ، ودلَّ على ما سيكون وما سلف، ممَّا لم يقرأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابًا، وهذا دليل على أنه من عند الله».