للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيئًا من قال إن المعنى أنزله وهو يعلمه، [ق ٥٢ أ] وهذا وإن كان حقًّا، فإن الله يعلم كل شيءٍ، فليس في ذلك دليلٌ وبرهانٌ على صحة الدعوى، فإن الله يعلم الحق والباطل، بخلاف ما إذا كان المعنى أنزله متضمنًا لعلمه الذي لا يعلمه غيره إلَّا من أطلعه عليه فأعلمه به، فإن هذا من أعظم أعلام النُّبوة والرِّسالة.

وقال فيما عارضه من الشُّبه الفاسدة التي يُسميها أربابها قواطع عقلية: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا اَلظَّنَّ وَإِنَّ اَلظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ اَلْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: ٢٨] وقال: {إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا اَلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: ١٤٩].

وقال لمن أنكر المعاد بعقله: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا اَلدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا اَلدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: ٢٣].

والظنُّ الذي أثبته سبحانه للمعارضين نصوصَ الوحي بعقولهم ليس هو الاعتقاد الرَّاجح؛ بل هو أَكْذب (١) الحديث، وقال: {قُتِلَ اَلْخَرَّاصُونَ (١٠) اَلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} (٢) [الذَّاريات: ١٠ - ١١] وأنت إذا تأمَّلْت ما عند هؤلاء المعارضين لنصوص الأنبياء بعقولهم رأيته كله خرصًا، وعلمت أنهم هم الخرَّاصون، وأن العلم في الحقيقة ما نزل به الوحي على الأنبياء والمرسلين، وهو الذي أقام الله به حُجته، وهدى به أنبياءه ورُسُله وأتباعهم (٣)، وامتنَّ


(١) «ح»: «الكذب». والمثبت من «م». وقد أخرج البخاري (٥١٤٣) ومسلم (٢٥٦٣) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث».
(٢) قال الواحدي في «التفسير البسيط» (٢٠/ ٤٣١ - ٤٣٢): «{قُتِلَ اَلْخَرَّاصُونَ} قال جماعة المفسرين وأهل المعاني: لُعن الكذَّابون».
(٣) بعده في «ح»: «به».