للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعنى والإجمال في اللفظ يوجب تناولها بحقٍّ وباطلٍ، فبما فيها من الحقِّ يقبل من لم يُحِط بها علمًا ما فيها من الباطل لأجل الاشتباه والالتباس، ثم يُعارضون بما فيها من الباطل نصوص الأنبياء.

وهذا منشأ ضلال من ضلَّ من الأمم قبلنا. وهو منشأ البدع كلها، فإن البدعة لو كانت باطلًا محضًا لما قُبلت، ولبادر كل أحدٍ إلى ردِّها وإنكارها، ولو كانت حقًّا محضًا لم تكن بدعةً، وكانت موافقة للسُّنة؛ ولكنها تشتمل على حقٍّ وباطلٍ، ويلتبس فيها الحق بالباطل، كما قال تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا اُلْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا اُلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٤١] فنهى عن لَبْس الحق بالباطل وكتمانه، ولبسَه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر، ومنه التلبيس وهو التدليس والغش الذي يكون باطنه خلاف ظاهره، فكذلك الحق إذا لُبِس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحقِّ، وتكلم بلفظٍ له معنيان، معنًى صحيح، ومعنًى باطل، فيتوهم السَّامع أنه أراد المعنى الصحيح، ومراده الباطل، فهذا من الإجمال في اللفظ.

وأمَّا الاشتباه في المعنى فيكون له وجهان، هو حقٌّ من أحدهما، وباطلٌ من الآخر، فيُوهم (١) إرادة الوجه الصحيح، ويكون مراده الباطل. فأصل ضلال بني آدم من الألفاظ المجملة والمعاني المشتبهة، ولا سيما إذا صادفت أذهانًا مخبَّطةً، فكيف إذا انضاف إلى ذلك هوًى وتعصُّب؟! فسَلْ مثبِّت القلوب أن يثبِّت قلبك على دينه، وألَّا يوقعك في هذه الظُّلمات.

قال الإمام أحمد في خطبة كتابه في «الرد على الجهمية» (٢): «الحمد لله


(١) «ح»: «فيتوهم». والمثبت من «م».
(٢) «الرد على الجهمية والزنادقة» (ص ٥٥).