للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي جعل في كل زمان فترةٍ من الرُّسل بقايا من أهل العلم، يَدْعُون من ضلَّ إلى الهُدى، ويصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويُبصِّرون بكتاب الله أهل العمى. فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه، وكم من تائهٍ ضالٍّ قد هدوه! فما أحسن أثرهم على النَّاس، وما أقبح أثر النَّاس عليهم! ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة. فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب. يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علمٍ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جُهال النَّاس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين».

وهذه الخطبة تلقَّاها الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب أو وافقه فيها؛ فقد ذكرها محمد بن وضاح في أول كتابه في «الحوادث والبدع» (١) فقال: حدثنا أسد، ثنا رجلٌ ـ يُقال: له يوسف، ثقةٌ ـ عن أبي عبد الله الواسطي رفعه إلى عمر بن الخطاب أنه قال: «الحمد لله الذي امتنَّ على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله أهل العمى. كم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه، وضالٍّ تائهٍ قد هدوه. بذلوا دماءهم وأموالهم دون

هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على النَّاس، وما أقبح أثر النَّاس عليهم!

وما نسيهم ربك، وما كان ربك نسيًّا، جعل قصصهم هدًى (٢)، وأخبر

عن حسن مقالاتهم، فلا تقصر (٣) عنهم؛ فإنهم في منزلة رفيعة، وإن


(١) «البدع والنهي عنها» (ص ٣).
(٢) «ح»: «يصفهم هذا». تحريف، والمثبت من «م»، «البدع» لابن وضاح.
(٣) «ح»: «يقتصر». والمثبت من «م»، «البدع» لابن وضاح.