للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا الأبعاض فمرادهم بتنزيهه عنها أنه ليس له وجهٌ ولا يدان ولا يمسك السماوات على إصبع والأرض على إصبع والشجر على إصبع والماء على إصبع، فإن ذلك كله أبعاض، والله منزهٌ عن الأبعاض.

وأمَّا الحدود والجهات فمرادهم بتنزيهه عنها أنه ليس فوق السماوات ربٌّ، ولا على العرش إلهٌ، ولا يشار إليه بالأصابع إلى فوق، كما أشار إليه أعلم الخلق به، ولا ينزل منه شيءٌ، ولا يصعد إليه شيءٌ، ولا تعرج الملائكة والروح إليه، ولا رفع المسيح إليه، ولا عرج برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - إليه؛ إذ لو كان ذلك لزم إثبات الحدود والجهات له، وهو منزهٌ عن ذلك.

وأمَّا حلول الحوادث فيُريدون به أنه لا يتكلم بقدرته ومشيئته، ولا ينزل كل ليلةٍ إلى سماء الدنيا، ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء، ولا يغضب بعد أن كان راضيًا، ولا يرضى بعد أن كان غضبان، ولا يقوم به فعلٌ البتةَ، ولا أمرٌ مُجدد بعد أن لم يكن، ولا يريد شيئًا بعد أن لم يكن (١) مريدًا له، ولا يقول له: كن حقيقةً، ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستويًا عليه، ولا يغضب يوم القيامة غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولا يُنادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديًا لهم، ولا يقول للمصلي «إذا قال: {اِلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اِلْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ١]: حمدني عبدي. فإذا قال: {اَلرَّحْمَنِ اِلرَّحِيمِ} [الفاتحة: ٢] قال: أثنى عليَّ عبدي. وإذا قال: {مَلِكِ يَوْمِ اِلدِّينِ} [الفاتحة: ٣] قال: مجَّدَني عبدي» (٢). فإن هذه كلها حوادث، وهو منزهٌ عن حلول الحوادث.


(١) «ح»: «يكون». والمثبت من «م».
(٢) أخرجه مسلم (٣٩٥) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.