للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعضهم يختصر العبارة ويقول: أنا أُنزِّهه عن التعدد والتحدد والتجدد. فيتوهم السَّامع الجاهل بمراده أنه ينزهه عن تعدد الآلهة، وعن تحددٍ تُحيطُ به حدودٌ وجوديةٌ تحصره وتحويه كتحدد [ق ٥٨ ب] البيت ونحوه، وعن تجدد إلهيته وربوبيته. ومراده بالتعدد الذي نَزَّهَه (١) عنه تعدد أسمائه وصفاته، وأنه لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئًا ولا يتكلم. ومراده بالتحدد أنه ليس فوق خلقه، ولا هو مستوٍ على عرشه، ولا فوق العرش إلهٌ يُعبد، وليس فوق العرش إلَّا العدم. ومراده بالتجدد أنه لا يقوم به فعلٌ ولا إرادةٌ ولا كلامٌ بمشيئته وقدرته.

وبعضهم يقتصر على حرفين فيقول: نحن ننزهه عن التكثر والتغير. فيتوهم السَّامع تكثر الآلهة، وتغيره سبحانه واستحالته من حالٍ إلى حالٍ، وحقيقة هذا التنزيه أنه لا صفة له ولا فعل.

وكذلك قول الجهمية: نحن نثبت قديمًا واحدًا، ومثبتو الصِّفات يثبتون عدة قُدماء. قال: والنصارى أثبتوا ثلاثة قدماء مع الله فكفَّرهم (٢)، فكيف من أثبت سبعة قدماء أو أكثر؟!

فانظر إلى هذا التلبيس والتدليس الذي يوهم السَّامع أنهم أثبتوا قدماء مع الله، وإنما أثبتوا قديمًا واحدًا بصفاته، وصفاته داخلة في مسمَّى اسمه. إنما أثبتوا إلهًا واحدًا، ولم يجعلوا كل صفةٍ من صفاته إلهًا؛ بل هو الإله الواحد بجميع أسمائه وصفاته. وهذا بعينه متلقًّى عن عُبَّاد الأصنام المشركين بالله المكذبين لرسوله، حيث قالوا: يدعو محمدٌ إلى إلهٍ واحدٍ، ثم يقول: يا ألله


(١) «ح»: «نزه». والمثبت أصح.
(٢) «ح»: «بكفرهم». والمثبت من «م».