للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا رحمن يا سميع يا بصير، فيدعو آلهةً متعددةً. فأنزل الله عز وجل: {قُلُ اُدْعُوا اُللَّهَ أَوُ اُدْعُوا اُلرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ اُلْأَسْمَاءُ اُلْحُسْنى} (١) [الإسراء: ١٠٩] أي: إنكم إنما تدعون إلهًا واحدًا له الأسماء الحسنى، فأي اسمٍ دعوتموه فإنما دعوتم المسمَّى بذلك الاسم. فأخبر سبحانه أنه إلهٌ واحدٌ وإن تعددت أسماؤه الحُسنى المشتقة من صفاته، ولهذا كانت حُسنى، وإلَّا فلو كانت ـ كما يقول الجاحدون لكماله ـ أسماءً محضة فارغة من المعاني ليس لها حقائق؛ لم تكن حُسنى، ولكانت أسماءُ الموصوفين بالصفات والأفعال أحسن منها، فنزلت الآية على توحيد الذَّات وكثرة النُّعوت والصفات.

ومن ذلك قول هؤلاء المعطلة: أخصُّ صفات الإله: القديم، فإذا أثبتم معه صفات قديمة لزم أن تكون آلهةً، فلا يكون الإله واحدًا؛ بل يكون لكم آلهة متعددة. فيقال لهؤلاء المُدلِّسين المُلبِّسين على أمثالهم من أشباه الأنعام: المحذور الذي نفاه العقل والشرع والفطرة وأجمعت الأنبياء من أوَّلهم إلى آخرهم على بطلانه أن يكون مع الله آلهة أخرى، لا أن يكون إله العالمين الواحد القهار حيًّا قيومًا، سميعًا بصيرًا، متكلِّمًا آمرًا ناهيًا، فوق عرشه، له الأسماء الحسنى والصفات العُلى.

فلم يَنْفِ العقل والشرع والفطرة أن يكون للإله الواحد صفاتُ كمال


(١) أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (٣٦٩) عن أبي الجوزاء أوس بن عبد الله عن عائشة - رضي الله عنها -، وحديث أبي الجوزاء عن عائشة مرسل، ينظر «التمهيد» (٢٠/ ٢٠٥)، وله شواهد عن ابن عباس - رضي الله عنه - وعن مكحول مرسلًا، أخرجهما الطبري في «تفسيره» (١٥/ ١٢٣ - ١٢٤) وينظر «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ٣٦٠) و «الدر المنثور» (٩/ ٤٦١).